فيما حظيت قمة شرم الشيخ باهتمام دولي كبير تجسد في حضور 31 زعيمًا وممثلاً من الدول العربية والإسلامية والغربية، بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أثار غياب ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد عن التوقيع على وثيقة وقف إطلاق النار بين "حماس" والكيان الصهيوني، تساؤلات حول أسباب ذلك.
وربط محللون، أسباب الغياب المفاجئ لكل من بن سلمان وبن زايد بموقفهما تجاه مصر، التي استضافت المفاوضات الماراثونية لوقف إطلاق النار في الأسبوع الماضي، وفي ضوء تطلع كلا القائدين الخليجيين لدور أكبر في مرحلة إعادة إعمار غزة، وإعادة هيكلة الحكم في القطاع.
ومثل السعودية وزير الخارجية فيصل بن فرحان، والإمارات العربية المتحدة، نائب الرئيس الشيخ منصور بن زايد. ولم يصدر أي تفسير رسمي من الرياض أو أبو ظبي حول غياب بن سلمان وبن زايد، على الرغم من أن التمثيل ظل رفيع المستوى.
الاختلافات السياسية المحتملة مع مصر
ونقل "مركز تقدم للسياسات"، أن بعض المحللين يربطون غياب بن سلمان باختلاف وجهات النظر السعودية والمصرية بشأن خطط ما بعد الحرب في غزة. ويأتي ذلك بد غيابه عن في القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة في مارس الماضي.
وقال إنه ربما اختارت الدولتان عدم الظهور على أعلى مستوى للإشارة إلى تحفظاتهما بشأن وثيقة القمة أو خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام. وقد يكون غيابهما بمثابة رسالة دبلوماسية هادئة مع الحفاظ على التواصل مفتوحًا.
ولفت إلى أن التقارير تشير إلى أن السعودية اعترضت على عدم وجود أي ذكر واضح لحل الدولتين أو الدولة الفلسطينية، وهو الأمر الذي يظل محوريًا في دبلوماسيتها الرامية إلى تحقيق السلام.
ويبدو موقف الإمارات العربية المتحدة حذرًا أيضًا، إذ تنتظر أطرًا أكثر وضوحًا قبل الانخراط بشكل عميق.
وعلى الرغم من غيابهما، فإن كلا البلدين – السعودية والإمارات - ضروريان لإعادة إعمار غزة؛ ولا يمكن لأي خطة مستقبلية أن تنجح دون مشاركتهما المالية.
وربما ينتظران رؤية التقدم في نزع السلاح، وترتيبات الحكم، ومنع تجدد الصراعات قبل التبرع لإعادة الإعمار.
مخاوف محتملة بشأن حضور نتنياهو
وأشارت تقارير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يحضر المؤتمر، وهي النقطة التي أثارت أيضًا مخاوف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وآخرين.
ومن المتوقع أن تلعب الإمارات والسعودية دورًا أقوى في المراحل اللاحقة، وخاصة في إعادة الإعمار والاستقرار.
مصر تخطف الأضواء
بدوره، نقل موقع "ميدل إيست آي" عن مصادر سعودية وإماراتية ومصرية، أن غياب ولي العهد السعودي ورئيس الإمارات العربية المتحدة كان بمثابة إشارة واضحة إلى أن دول الخليج العربية ذات الوزن الثقيل مصممة على عدم السماح لمصر بالحصول على الأضواء والثناء.
وباعتبارهما الدولتين الأكثر ثراءً في المنطقة، فمن المتوقع أن تتحمل السعودية والإمارات فاتورة معظم الإغاثة الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة.
ويرى المسؤولون السعوديون والإماراتيون أن بلديهما ينبغي أن تلعبا دورًا أكبر في تشكيل مستقبل غزة.
وصرح دبلوماسي مصري مقرب من الرئاسة لموقع "ميدل إيست آي" بأن الرياض وأبو ظبي، بإرسالهما وزراء إلى شرم الشيخ بدلًا من حكامهما، "أظهرتا ترددهما في منح مصر مساحة أكبر أو مكانة أكبر".
وقال الدبلوماسي إن "مصر أمضت أسابيع تحت الأضواء الدولية في التوسط في المحادثات غير المباشرة التي أدت إلى هدنة هشة بين إسرائيل وحماس".
مع ذلك، أثار هذا الاهتمام استياءً في الرياض وأبوظبي، واللتين تعتقدان أنهما تستحقان التقدير لمساهمتهما في التوسط في الاتفاق، لا سيما بالنظر إلى نفوذهما لدى واشنطن.
الهيبة والأيديولوجية
بفضل جيشها الضخم المدعوم من الولايات المتحدة، وسكانها الضخمين، وعلاقاتها مع إسرائيل، وموقعها الممتد بين الشرق الأوسط وأفريقيا وجارتها فلسطين، كانت مصر تاريخيًا قوة عربية كبرى.
لكن هذا الموقف ضعف في العقود الأخيرة مع تزايد ثراء الدول العربية الخليجية ونفوذها وتعثر الاقتصاد المصري.
ومنذ تولى عبدالفتاح السيسي السلطة في عام 2013 بعد الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيًا في مصر، في انقلاب عسكري، كانت السعودية والإمارات من حلفائه الرئيسين، حيث قدمتا له دعمًا اقتصاديًا وسياسيًا كبيرًا.
وكان هذا الدعم مهمًا بشكل خاص لحكومته خلال أوقات الضائقة الاقتصادية، ولذلك، يُنظر إلى مصر في الخليج باعتبارها شريكًا صغيرًا إلى حد ما.
انقسام أيديولوجي
كما تسلط التوترات بشأن غزة الضوء على انقسام أيديولوجي أعمق. فالسعودية والإمارات تنظران منذ فترة طويلة إلى "حماس" بعين الريبة، وتعتبرانها رمزًا للمقاومة الإسلامية التي يمكن أن تشعل شرارة النشاط السياسي في الداخل.
لقد فرض محمد بن سلمان إصلاحات اجتماعية أثارت قلق العناصر الأكثر محافظة وتقليدية في المجتمع السعودي، كما أن جاذبية حماس - المتجذرة في الدين والتحدي والشرعية الشعبية - تجعلها عدوًا طبيعيًا لولي العهد.
وقال مصدر سعودي كبير مقرب من القصر الملكي لموقع "ميدل إيست آي": "تخشى المملكة من أن تلقى قصة حماس صدى لدى السعوديين الذين يتساءلون بالفعل عن الاتجاه الليبرالي الجديد في البلاد".
وأضاف: "باختصار، كانت الدولتان الخليجيتان محبطتين من الطريقة التي انتهت بها المفاوضات، خاصة وأن وقف إطلاق النار لم يصل إلى حد تفكيك حماس بالكامل. إنهما ينظران إلى أي وجود متبقٍ لحماس، حتى لو لم تعد تحكم غزة، باعتباره قنبلة موقوتة".
وعلى نحو مماثل، أمضت الإمارات العربية المتحدة سنوات في قيادة حملة إقليمية ضد الإسلام السياسي، مستهدفة جماعات من جماعة الإخوان المسلمين إلى حماس، والتي تعتبرها تهديدًا لسيطرة الدولة ــ والملكية.
وقال مصدر إماراتي مقرب من العائلات الحاكمة لموقع "ميدل إيست آي": "ترى الإمارات أن بقاء حماس يشكل سابقة خطيرة. إن الرياض وأبو ظبي تعارضان بشكل مشترك أي هدنة تسمح لحماس بالصمود".
تنافسات قديمة وتوترات جديدة
وبحسب مصادر "ميدل إيست آي"، يحاول بن سلمان تقديم نفسه باعتباره صانع السلام الجديد في العالم العربي، وهو زعيم حديث قادر على جلب الاستقرار بعد سنوات من الاضطرابات الإقليمية.
وبدلًا من ذلك، سُلِّطت الأضواء على القاهرة، كما أشار المصدر السعودي. "كان من الصعب تقبُّل ذلك".
وفي القاهرة، لم يمر اختفاء زعماء الخليج مرور الكرام.
ويخشى المسؤولون بهدوء أن يؤدي ذلك إلى زيادة الضغوط على العلاقات الهشة بالفعل بسبب التحديات الاقتصادية والتحالفات الإقليمية المتغيرة: حتى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كانتا على خلاف في السنوات الأخيرة مع تنامي المنافسة بينهما.
وقال المصدر الدبلوماسي المصري لموقع "ميدل إيست آي": "إن عدم حضورهما يبعث برسالة قوية، تشير إلى أن العاصمتين غير راضيتين عن الطريقة التي تتعامل بها مصر مع قضية غزة، وخاصة الرياض".