في خطاب طال انتظاره، حاول العاهل المغربي الملك محمد السادس رسم ملامح مرحلة جديدة من الإصلاحات، داعياً إلى تسريع وتيرة العمل لمعالجة القضايا الاجتماعية التي فجّرت غضب الشارع في الأسابيع الماضية، من بطالة الشباب إلى ضعف الخدمات العامة واتساع الفوارق الاجتماعية.

لكن اللافت في الخطاب، الذي ألقاه خلال افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة أمس الجمعة، هو تجاهله المباشر لحركة "جيل زد 212" التي قادت موجة الاحتجاجات الأخيرة، في ما اعتبره مراقبون رسالة مزدوجة: تبنٍّ لمطالب الشارع دون الاعتراف بالحراك نفسه كفاعل سياسي، وتأكيد على أن المؤسسة الملكية وحدها هي الضامن للاستجابة لتطلعات المواطنين.
 

خطاب فوقي يتبنّى المطالب ويتجاوز المحتجين
جاء الخطاب الملكي بلغة استراتيجية تركز على الأهداف الكبرى، دون التطرق صراحة إلى الاحتجاجات أو قادتها. وأكد الملك أن "العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليست شعاراً فارغاً"، مشدداً على ضرورة إعطاء "عناية خاصة للمناطق الأكثر هشاشة، ولا سيما مناطق الجبال والواحات"، مع الدعوة إلى إحداث "أثر أقوى وأسرع" في برامج التنمية، وتحسين جودة التعليم والصحة وتوفير فرص العمل للشباب.

ورأى محللون أن تجاهل ذكر "جيل زد 212" يعكس نهجاً فوقياً مقصوداً يهدف إلى نزع فتيل الأزمة من دون منح الحركة شرعية سياسية. فالملك تبنّى جوهر المطالب الشعبية، لكنه تجاوز من طرحها، في رسالة تفيد بأن الإصلاحات ستأتي من أعلى هرم السلطة، وليس استجابةً لضغط الشارع. هذه المقاربة – بحسب مراقبين – تعيد تأكيد مركزية المؤسسة الملكية في الحياة السياسية، على حساب كل من الحكومة والحراك الاجتماعي معاً.
 

"جيل زد 212": من المطالب الاجتماعية إلى شعار إسقاط الحكومة
انطلقت حركة "جيل زد 212"، التي تضم آلاف الشباب من الجيل الرقمي الجديد، عبر منصات مثل "ديسكورد" و"إكس"، عقب فاجعة وفاة ثماني نساء في مستشفى بمدينة أغادير، في حادثة أصبحت رمزاً لتردي الخدمات العامة. وسرعان ما تحولت مطالبها من تحسين التعليم والصحة ومحاربة الفساد، إلى هدف سياسي صريح: إقالة حكومة عزيز أخنوش، التي تُحمّلها الحركة مسؤولية التدهور الاجتماعي والاقتصادي.

تُقدّر البطالة بين الشباب المغربي بنحو 35.8%، وهي النسبة الأعلى منذ عقد، ما جعل القضية الاجتماعية تتداخل مع أزمة ثقة في الأداء الحكومي. ورغم أن الحركة علقت احتجاجاتها مؤقتاً بانتظار الخطاب الملكي، فإن تجاهلها في الخطاب فُسّر داخلها كـ"تجاهل متعمد"، دفعها إلى إعادة تقييم خياراتها الميدانية.

ورداً على دعوات الحوار التي كررتها الحكومة، قال المتحدث باسمها، مصطفى بايتاس، إن "يد الحكومة ممدودة، لكن الحوار يحتاج إلى طرفين"، في إشارة إلى أن الحركة لا تمتلك هيكلاً تنظيمياً أو قيادة واضحة. إلا أن ناشطي "جيل زد" يؤكدون أن "اللامركزية" هي مصدر قوتهم، وأن تجربتهم تختلف عن الحركات التقليدية لأنها نابعة من الفضاء الرقمي لا من الأحزاب أو النقابات.
 

تصعيد مرتقب ومواجهة مفتوحة
في أعقاب الخطاب، أصدرت حركة "جيل زد 212" بياناً أكدت فيه أن فترة التوقف عن التظاهر كانت "خطوة تكتيكية لإعادة التنظيم وضمان فعالية أكبر في المرحلة المقبلة"، مشيرة إلى أن الاحتجاجات ستستأنف في حال لم تُتخذ إجراءات ملموسة ضد الحكومة.

ويرى مراقبون أن المواجهة تتجه نحو تصعيد غير مسبوق، خصوصاً أن الحركة باتت تحظى بتعاطف شعبي واسع، بينما تسعى الحكومة إلى احتواء الغضب عبر وعود إصلاحية متكررة وظهور إعلامي مكثف لوزرائها. ومع ذلك، يبدو أن "جيل زد" لا تثق في قدرة الحكومة على التغيير، معتبرة أن الأزمة تجاوزت حدود السياسات العامة إلى أزمة شرعية سياسية.

الكرة الآن في ملعب الحكومة، التي تواجه ضغوطاً متزايدة لتقديم نتائج ملموسة في أسرع وقت، خاصة بعد أن حدد الخطاب الملكي الإطار العام للإصلاح. ويبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن مؤسسات الدولة من امتصاص زخم الحراك الرقمي الغاضب عبر إصلاحات واقعية؟ أم أن الشارع سيعود أقوى، مدفوعاً بجيل يرى نفسه خارج حسابات السلطة التقليدية؟

الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مآلات هذه الأزمة، التي لم تعد مجرد احتجاج اجتماعي عابر، بل اختباراً جدياً لعلاقة الجيل الجديد بالدولة وبالملكية نفسها في مغرب يواجه تحدياً غير مسبوق بين وعود الإصلاح ومطالب التغيير الجذري.