في مشهد يعكس عمق الكارثة الإنسانية التي خلّفها العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة لعامين متتاليين، عقد رئيس بلدية خان يونس، المهندس علاء الدين البطة، مؤتمرًا صحفيًا اليوم السبت، 11 أكتوبر 2025، كشف خلاله عن تفاصيل الدمار الواسع الذي طال المحافظة الواقعة جنوب القطاع، موجّهًا نداء استغاثة عاجلًا للمجتمع الدولي وهيئات الإغاثة للمساعدة في إعادة إعمار المدينة المدمّرة.
 

دمار شامل يطال كل مناحي الحياة
قال البطة إن 85% من مساحة محافظة خان يونس قد تعرّضت للتدمير الكامل أو الجزئي، واصفًا الوضع بأنه "كارثة غير مسبوقة في تاريخ المدينة"، حيث لم تسلم أي من مرافقها الخدمية أو البنى التحتية من الاستهداف المباشر والمتكرر.

وأضاف أن المشهد الميداني اليوم يعكس دمارًا شاملاً طال المنازل السكنية، والمرافق العامة، والمدارس، والمستشفيات، وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، مما جعل الحياة اليومية شبه متوقفة، وأدخل المدينة في أزمة معيشية خانقة تهدد حياة عشرات الآلاف من السكان العائدين إلى منازلهم المهدمة.
 

400 ألف طن من الركام و350 ألف طن من النفايات
وأوضح رئيس البلدية أن العدوان خلّف ما يقارب 400 ألف طن من الركام الناتج عن تدمير الأبنية والمنشآت العامة والخاصة، إضافة إلى تراكم أكثر من 350 ألف طن من النفايات في مختلف مناطق المدينة، محذرًا من أن استمرار تراكمها دون معالجة عاجلة قد يؤدي إلى كارثة بيئية وصحية، خاصة في ظل غياب الإمكانيات والمعدات اللازمة لرفعها أو التخلص منها بطرق آمنة.

وأشار إلى أن البلدية تعمل حاليًا بتسع فرق ميدانية فقط لمحاولة فتح الطرق وإزالة الأنقاض في بعض الأحياء، إلا أن جهودها تواجه تحديات هائلة نتيجة نقص الوقود وغياب الآليات الثقيلة الحديثة. وأضاف: "ما نملكه اليوم لا يتناسب بأي شكل مع حجم الكارثة، فآلياتنا محدودة وقديمة، وكثير منها متوقف بسبب غياب قطع الغيار والديزل".
 

تدمير شبكات المياه والصرف الصحي
وفي جانب البنية التحتية، كشف البطة أن 300 كيلومتر من شبكات المياه قد تم تدميرها بالكامل، مما تسبب بانقطاع المياه عن معظم أحياء المدينة. كما تعرضت 75% من شبكة الصرف الصحي إلى أضرار جسيمة، وهو ما وصفه بـ"تهديد بيئي مباشر" يمكن أن يؤدي إلى انتشار الأوبئة مع قدوم فصل الشتاء.
وأكد أن فرق الصيانة التابعة للبلدية تعمل في ظروف بالغة الصعوبة، إذ تفتقر إلى المواد اللازمة لإصلاح الشبكات، محذرًا من أن استمرار الوضع الحالي "قد يحول خان يونس إلى بؤرة إنسانية وصحية خطيرة".
 

أزمة كهرباء خانقة
أما على صعيد الكهرباء، فقد ناشد رئيس البلدية الجهات المانحة والمنظمات الدولية بـتوفير مولدات كهرباء جديدة لتعويض المولدات المدمّرة أو المتآكلة، مبينًا أن الشبكة الحالية بالكاد تغطي جزءًا ضئيلاً من احتياجات السكان والمرافق الحيوية مثل المستشفيات ومحطات المياه.

وأشار إلى أن انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة يعطل عمليات ضخ المياه وتشغيل محطات الصرف الصحي، مما يفاقم المعاناة اليومية للسكان الذين عادوا إلى بقايا منازلهم بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
 

عودة النازحين تصطدم بواقع الركام
يتزامن هذا المؤتمر الصحفي مع بدء عودة مئات العائلات النازحة إلى مناطقها في خان يونس عقب وقف إطلاق النار، إلا أنهم، كما وصف البطة، "يعودون ليجدوا مدينتهم كومة من الركام". وأكد أن مشاهد الدمار المنتشرة في الأحياء السكنية "تجسد حجم الاستهداف الممنهج" الذي طال البنية التحتية ومقومات الحياة المدنية في المدينة.
 

نداء للمجتمع الدولي
وفي ختام المؤتمر، وجه رئيس البلدية نداءً عاجلاً للمجتمع الدولي والأمم المتحدة ووكالات الإغاثة بضرورة التحرك الفوري لتقديم الدعم الفني واللوجستي والإنساني لخان يونس، مشددًا على أن "المدينة تواجه تحديًا يتجاوز قدراتها المحلية، وإعادة الإعمار باتت ضرورة إنسانية عاجلة لا تحتمل التأجيل".

وأضاف البطة أن البلدية رغم محدودية إمكانياتها تواصل العمل بما هو متاح لإعادة الحياة إلى شوارع خان يونس، داعيًا الدول المانحة إلى "ترجمة وعودها إلى أفعال ملموسة على الأرض".
وختم بالقول: "خان يونس اليوم ليست مجرد مدينة مدمّرة، بل رمزٌ لمعاناة شعبٍ يبحث عن حقه في الحياة الكريمة بعد عامين من الدمار والخذلان".