على السطح يعرض القصر وحلفاؤه صورة استقرار مُحكَمة؛ لكن دلائل عدة تشير إلى توتّرات داخلية؛ تحرّكات في قيادة المؤسسة العسكرية، توسُعات شكلية في "الحوار الوطني"، ووصول ضغوط اقتصادية وسياسية تقوّي احتمالات صراعات خفية على النفوذ والموارد.

هذا التقرير يحاول جمع مؤشرات ملموسة؛ تغييرات قيادية، سياسات اقتصادية مرهقة، وتسريبات ثانية، لتكوين قراءة استقصائية عن واقع الانقسام داخل السلطة.
 

تحرّكات قيادية.. تنقّلات حاسمة في الصفوف العليا

في يونيو 2025 شهدت المؤسسة العسكرية تحرّكات وتنقّلات قيادية عُدّت بارز؛: توزيعات ومناصب جديدة أعادت ترتيب مراكز السلطة داخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو مؤشر عملي على محاولات ضبط التوازنات الداخلية أو احتواء اجتهادات فصائل مختلفة داخل المؤسسة العسكرية، يعكس مثل هذا إعادة التثبيت درجة حساسية لدى القيادة حيال ولاءات ومواقع النفوذ.
 

توسيع قاعدة الحوار.. سياسة تهدئة أم تسوية قسرية؟

في الأشهر الأولى من 2025 أمرت دوائر رسمية بتوسيع عضوية ما يُسمى "الحوار الوطني" وضُمّ شخصيات جديدة إلى مجلس أمنائه، وهو تحرّك قد يُقرأ على أنه محاولة لامتصاص غضب طبقي وسياسي أو خلق طبقة عادِلة من الشرعية في مواجهة ضغوط داخلية وخارجية.

بعض المحللين وصفوا هذه الخطوات بأنها شكلية تهدف إلى إعادة رسم خارطة الدعم أكثر منها فتح ساحة إصلاح حقيقي.

هذا التوسيع تزامن مع تصريحات تنفيذية تفيد بأن الهدف تثبيت التوافق الوطني في مواجهة "تحديات إقليمية"، ما يطرح سؤالاً واضحاً: هل هو فتح سياسي أم مناورة لتقوية قاعدة حكم ضيقة؟

يرى العديد من المراقبين والمعارضين أن الحوار الوطني ليس سوى محاولة من النظام لامتصاص الغضب الشعبي وتحسين صورته دولياً، دون نية حقيقية لإجراء إصلاحات جوهرية.

يشير مركز دراسات الشرق الأوسط إلى أن الحوار قد يكون محاولة من السيسي للهروب من مسؤولياته الداخلية، خاصة الأزمة الاقتصادية، وتحسين صورته الخارجية، معتبراً إياه "تشتيتاً لنقد المعارضة" بدلاً من إيجاد حلول حقيقية.

تؤكد هذه الشكوك تقارير مثل ما نشرته "مصر 360" في 2 أبريل 2024، والتي أشارت إلى أن "توصيات" الحوار المتعلقة بالاقتصاد "أتلفتها الحكومة"، مما يثير تساؤلات جدية حول مدى التزام النظام بتطبيق مخرجات الحوار.

كما أن مشاركة بعض الشخصيات المعارضة السابقة في الحوار أثارت سجالاً واسعاً، حيث يرى البعض أنها محاولة لإضفاء الشرعية على الحوار، بينما يرى آخرون أنها لا تمثل المعارضة الحقيقية.
 

مؤشرات اقتصادية تضغط على السلطة وتُغذي الانقسامات

الاقتصاد هنا عامل حاسم؛ شهدت مصر موجات تضخمٍ مرتفعة في السنوات الأخيرة تدهورت معها القدرة الشرائية للوسط والطبقات الدنيا، فبعد ذروة التضخم العامة التي سُجّلت في 2023–2024، ظَهَر تحسّن نسبي متذبذب خلال 2025 لكن الأثر الاجتماعي ظل قائماً.

بيانات مؤشر أسعار المستهلك أظهرت تراجعاً من ذروة قياسية إلى مستويات أقل بحلول أوائل 2025 (قيَم شهرية متقلبة؛ مثلاً قياسات فبراير 2025 تُظهر انخفاضاً من ارتفاعات سابقة)، في حين تظل جلسات سوق العمل والبطالة مؤشراً حساساً للغضب الاجتماعي.

هذه الضغوط الاقتصادية تُحوّل الصراع على الموارد والوظائف إلى بؤرة تنافس داخلي بين شبكات المصالح داخل الدولة.
 

علامات تسريبات و"فضائح" داخل الدوائر القريبة من القصر

تسريبات متكررة لأشرطة ومحاورات نسبت إلى مكاتب تنفيذية رئاسية ومسؤولين مقربين أثارت جدلاً عاماً وأشارت إلى وجود نزاعات وخلافات إدارية وسياسية داخل محيط الحكم؛ مثل هذه التسريبات، حتى إن وُصفت أحياناً بأنها مُدبرة، تعمل كقاطع للوشاية المتبادلة داخل شبكة الحكم وتدلّ على غضب أو خلافات داخل أروقة السلطة نفسها.

الحديث عن هذه التسريبات تكرّر في دوائر إعلامية وتحليلية، وهو مؤشر لا يُستهان به لوجود نزعات تصفية حسابات داخل الأجهزة.
 

مؤشرات التحالفات المتغيرة.. أجهزة أمنية ضد أجهزة؟ مدنيون متحالفون مؤقتاً؟

تحدثت تقاريرٍ محلّية وتحليلية عن ظهور جبهات متعدّدة داخل ما يُسمى الجهات السيادية، اختلافات بين المخابرات، الأمن الوطني، ودوائر عسكرية أو قضائية حول ملفات حساسة، هذه الخلافات ليست بالضرورة حرباً مفتوحة، لكنها تظهر كتصدعات يمكن أن تتوسع في أوقات الأزمات، خصوصاً عندما يلتقي فشل اقتصادي مع ضغط إقليمي (أو دوري) مثل تداعيات النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي على المشهد المصري، مثل هذه التحولات في التحالفات تُفسِّر الحذر من إجراء أي انفتاح سياسي حقيقي يُهدد مواقع النفوذ المكتسبة.
 

احتمالات ومستقبل مُظلَم أم متقلّب؟

النتيجة ليست بالضرورة انقلاباً أو انهياراً قريباً، لكن مكوّنات الضعف واضحة؛ ضغوط اقتصادية ملموسة، محاولات شكلية لتوسيع شرعية النظام، وتسريبات تشير إلى خلافات داخلية.

كل ذلك يضع النظام أمام خيارين: إما الاستمرار في إدارة الأزمات بسياسات قمعية ومناورات شكلية، وهو ما يطيل عمر الاستقرار الظاهري لكنه يزيد هشاشة القاعدة الاجتماعية والشرعية، أو الانخراط في إصلاح فعلي يقتضي تنازلات من شبكات المصالح داخل الدولة.

الواقع أن الشبكات نفسها قد تفضّل الحلول الجزئية قصيرة الأمد، ما يبقي التصدعات قابلة للاتساع عند أي صدمة جديدة.