على مدار سنوات حكمه، ظل قائد الانقلاب العسكري المصري عبد الفتاح السيسي يحمل هوساً واضحاً بثورة 25 يناير، حيث يهاجمها بشكل متكرر مع تفاقم كل أزمة جديدة، هذا الهجوم لم يكن متسقاً، بل امتاز بالتناقض والتذبذب، مما يثير التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذه الظاهرة التي تبدو وكأنها "شبح" يطارد النظام الحالي.

 

لماذا يهاجم السيسي الثورة؟ الخوف من السيناريو المتكرر
يُعد الخوف من تكرار سيناريو ثورة شعبية العامل الأساسي وراء هجوم السيسي المتكرر على ثورة 25 يناير، فوفقاً لتحليلات عديدة، فإن سقوط نظام مبارك يظل حاضراً في ذهن السيسي الذي يحكم البلاد "بقبضة حديدية" هذا الخوف يتجلى في:

  • تقارير الرصد والاستخبارات: يمتلك السيسي تقارير تؤكد أن "الانفجار يظل محتملاً وقائماً بقوة" وفقاً لتقارير غربية وعربية.
  • الخلفية الاستخباراتية: كون السيسي جاء من خلفية استخباراتية يجعله "حذراً ويقظاً تجاه حالة الغضب المتفشية في الشعب".
  • التجربة السورية: تسبب نجاح الثورة السورية في إسقاط بشار الأسد في "هلع السيسي"، ودفعه للترويج لأكاذيب هروباً من مصير مشابه.
     

تبرير الأزمات الاقتصادية
يمثل تحميل الثورة تبعات الإخفاقات الاقتصادية أحد الأدوات الدعائية للنظام، فمع تزايد الأزمات الاقتصادية، يظهر السيسي ليعلن أن الثورة هي السبب الجذري لكل المشاكل، حيث يقول: "ما تحقق في مصر خلال الفترة الماضية وتحديداً منذ 2014 إنجازات كثيرة، قسماً بالله ما تحقق في 6 سنين يساوي عمل 20 سنة".
 

إسقاط الشرعية
يسعى النظام إلى تقويض الشرعية التاريخية للثورة وتحويلها من "ثورة شعبية" إلى "مؤامرة"، ففي إحدى تصريحاته، أكد السيسي أن "هدفها كان تدمير الدولة وليس التغيير"، وربطها بما وصفه "المؤامرة وأبعادها الكاملة".
 

السياق الحالي.. نظام على "برميل بارود"

أوجه التشابه مع فترة ما قبل الثورة

تشير التقارير الدولية إلى أن مصر تعيش ظروفاً مشابهة لتلك التي سبقت ثورة 25 يناير، حيث ذكرت مجلة "وورلد بوليتيكس ريفيو" الأمريكية في ديسمبر 2022 أن "السيسي يجلس على برميل بارود"، وأن الواقع الذي تعيشه مصر الآن "يشبه إلى حد كبير الحال الذي كانت عليه البلاد قبيل سقوط حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك".

 

تدهور اقتصادي مقلق

بحلول فبراير 2023، سجل الجنيه المصري انخفاضاً حاداً لأدنى مستوى له على الإطلاق أمام الدولار، "متبوعاً بكساد اقتصادي يؤجج حالة الاستياء الاجتماعي، وهو ما يقض مضجع قادة البلاد الذين يخشون تكرار سيناريو الثورة".

 

تحذيرات دولية من ثورة جديدة

في يناير 2023، نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريراً ذكر أن "القاهرة على شفا ثورة جديدة، ستكون أشد من ثورة 25 يناير التي أطاحت بالديكتاتور حسني مبارك".

كما حذرت صحيفة "إسرائيل هيوم" من "نهاية كارثية لنظام السيسي" بناء على الحالة الاقتصادية وإلى شهادات مواطنين مصريين.
 

الآليات: كيف يواجه النظام شبح الثورة؟

  • القمع الاستباقي
    يتبنى النظام استراتيجية قمع استباقي لكل أشكال المعارضة، حيث:

اعتقالات واسعة: تنفذ قوات الأمن حملات اعتقالات واسعة قبل كل ذكرى للثورة لقمع المعارضين وبث الرعب.
تجييش إعلامي: تستعين السلطة بأذرعها الإعلامية "لتحذير الشعب من اندلاع الثورة ضده، وتخويفهم من مصير مظلم ينتظرهم في حال خروجهم ضده".
السيطرة على السردية: يعاد نشر مقاطع قديمة للسيسي يتحدث فيها عن "نظرية المؤامرة التي تُحاك لإسقاط الدولة".

  • تزييف التاريخ
    يعمل النظام على إعادة كتابة التاريخ القريب وتشويه صورة الثورة في أذهان الأجيال الجديدة، فبعد 14 عاماً على الثورة، "ظهرت أجيال جديدة لا تعرف كثيرًا عن ثورة يناير، ليبدأ السيسي التلاعب بالتاريخ القريب".
     
  • التلاعب بقرارات العفو
    يصدر السيسي بين الحين والآخر عقود عفو رئاسي، لكنها في الواقع "ليست سوى انفراجة وهمية"، فهي تقتصر على المتهمين الجنائيين وليس المعارضين السياسيين، وتأتي كـ"مسكنات لتهدئة المعارضة وامتصاص غضب المواطنين".

صراع البقاء
تبدو هجمات السيسي المتكررة على ثورة 25 يناير بمثابة اعتراف غير مباشر بهشاشة نظامه وخوفه من مصير مماثل لمصير سلفه، فالشعب المصري الذي كسر حاجز الخوف مرة، يظل قادراً على تكرار المشهد، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت تحت حكم النظام الحالي.

يظل شبح الانتفاضة الشعبية يطارد نظام السيسي لأنه يدرك أن الشروط الموضوعية لثورة جديدة تتوافر بشكل قد يكون أكثر خطورة من تلك التي سبقت يناير 2011، مما يجعله أسير خوف دائم من أن يكرر التاريخ نفسه.