يومًا بعد آخر يتخلص قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي من أولئك الذين ساندوه في الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي (رحمه الله)، ووقفوا إلى جواره في الثالث من يوليو 2013، معلنًا بيان الانقضاض على الشرعية، بدعوى حماية البلاد من الانقسام وإنهاء حالة الاستقطاب الحاد.
وكان في طليعة الذين قادوا البلاد إلى هذا المشهد العاصف، الذي قضى على أول تجربة ديمقراطية حقيقية في تاريخها حركة "تمرد" التي تكونت من مجموعة من الشباب المعارض للرئيس مرسي، الذين كانوا يدعون في البداية إلى انتخابات رئاسة مبكرة.
ودعت الحركة إلى تظاهرات في 30 يونيو 2013، ذلك بالتوافق مع المؤسسة العسكرية وأطراف إقليمية، في ميدان التحرير وعدد من الميادين في المحافظات، كان ظاهرها الاحتجاج على سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، وباطنها وأد التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر، كأبرز ثمار ثورة 25 يناير.
انتهى الأمر كما تابع المصريون وقتها إلى انقلاب الثالث من يوليو، الذي حشد فيه قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، مجموعة من رموز المعارضة آنذاك، وشباب "تمرد" ممثلين في محمود بدر، المنسق العام للحركة التي قادت حملة التحريض ضد الرئيس المدني المنتخب، قائلاً "إن إرادة الشعب انتصرت".
لكن بدر الذي انطلق سياسيًا من حاضنة السياسي الناصري، حمدين صباحي، الذي حل ثالثًا في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2012، انقلب على مبادئه والشعارات التي كان يروج لها في حشد المتظاهرين ضد الرئيس مرسي، حتى إنه انقلب على معلّمه ورفض دعمه في مواجهة قائد الانقلاب خلال الانتخابات الباطلة التي جرت في 2014.
اختار بدر الاستمرار في موكب الانقلاب حتى النهاية، متطلعًا إلى نيل المكاسب وتحقيق الأهداف الشخصية التي من أجلها قفز من مركب رفقاء الأمس، حتى إنه رفض نصيحة المقربين منه بالتوقف عن دعم الانقلاب الموغل في دماء المصريين وارتكاب المجازر بحق أولئك الذين اصطفوا في معسكر الشرعية والدفاع عن الرئيس المدني المنتخب، وأخذ يبرر جرائمه ضد معارضيه.
سرعان ما جنى بدر الثمار، وبدا التحول سريعًا في مظهره المتواضع إلى آخر أكثر أناقة، وبات يقدم في وسائل الإعلام بوصفه أحد رموز النظام الانقلابي، وتم اختيار لعضوية لجنة الخمسين لكتابة الدستور، التي شكلها عدلي منصور لإعداد دستور جديد للبلاد.
أصبح بدر عضوًا بمجلس النواب بعد انضمامه إلى تنسيقية قائمة في حب مصر الانتخابية التي دشنها اللواء سامح سيف اليزل مع عدد من الشخصيات العامة والسياسية الموالية للانقلاب، والقريبة من الأجهزة الأمنية التي أشرفت على هندسة اختيار أعضاء البرلمان.
ترافق ذلك مع الإعلان عن تخصيص قطعة أرض زراعية لبدر في مسقط رأسه بشبين القناطر لبناء مصنع أغذية مدرسية، وهو ما فجر اعتراضات واسعة قابلها مؤسس تمرد بتوجيه السباب والشتائم للرافضين.
كما حصل بدر على عضوية نقابة الصحفيين على الرغم من الاعتراض الواسع آنذاك على قبوله، نظرًا لأنه لم يمارس العمل الصحفي منذ سنوات طويلة، لكن علاقته بالأجهزة الأمنية كانت بوابته للانضمام عن طريق صحيفة "اليوم السابع"، المملوكة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، الذراع الإعلامي لقائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي.
غير أن بدر الذي ظن أن الانقلاب لن يلفظه في يوم من الأيام، خاب ظنه وأصبح رسميًا خارج ما تسمى "القائمة الوطنية" للمرشحين لانتخابات مجلس النواب، وهو ما يعني أنه فقد أهم مكتسباته من انقلاب الثالث من يوليو متمثلة في عضوية البرلمان والتمتع بحصانة لا يمتلكها رفقاء بالأمس الذين باتوا إما معتقلين داخل السجون، أو خارجها مكممة أفواههم ومحرومين من أية مزايا.
المفارقة أن مؤسس تمرد خرج ليتحدث عن دور المال السياسي في اختيار المرشحين للبرلمان، قائلاً إن "البعض ينفق عشرات بل مئات الملايين من أجل الحصول علي مقعد مجلس النواب"، مما دفعه في النهاية إلى اتخاذ قرار بعدم الترشح، بعد أن أدى دوره المطلوب بامتياز في مرحلة ما بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب، لكنها في النهاية لعبة الكراسي الموسيقية التي لم تضمن لغيره البقاء طويلاً في مناصبهم رغم اصطفافهم في معسكر الانقلاب منذ البداية، وهو ليس استثناءً منهم حتى يتم الإبقاء عليه إلى ما لا نهاية.