لم يتعرض أحد من القادة العسكريين الذين كان لهم دور بارز وفعال في تحقيق انتصار السادس من أكتوبر 1973 للقمع والتنكيل بسبب الاختلاف في الرؤى حول إدارة المعركة في أعقاب "الثغرة"، مثلما تعرض الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة آنذاك.
ويوصف الشاذلي بـ "العقل المدبر" لحرب أكتوبر، فهو الذي وضع خطة "المآذن العالية" في أغسطس 1971 لمهاجمة القوات الإسرائيلية واقتحام قناة السويس عبر تدمير خط بارليف الدفاعي، الذي بنته قوات الاحتلال في أعقاب حرب 1967، بهدف تأمين الضفة الغربية لقناة السويس ومنع عبور أي قوات مصرية إليها.
غير أنه وبعد أيام من اندلاع الحرب في السادس من أكتوبر 1973 التي تكبد الكيان الصهيوني خسائر كبيرة في صفوف قواته على الأرض، برز خلاف بين مهندس خطة عبور قناة السويس والرئيس أنور السادات بسبب تدخل الأخير في خطة الحرب، الذي أدى إلى حدوث ثغرة الدفرسوار في صفوف الجيش المصري.
وكان لهذه الثغرة دور في تحويل مسار المعركة في الأيام الأخيرة من الحرب بعد أن تمكن الكيان من شن هجوم مضاد أدى إلى عبور معاكس لقواته إلى الأراضي المصرية غرب قناة السويس. وتكبد الجيش المصري خسائر فادحة.
حدث هذا التطور بعد أن أرسلت القيادة العسكرية السورية مندوبًا للقيادة الموحدة للجبهتين التي كان يقودها المشير أحمد إسماعيل، وزير الدفاع، تطلب زيادة الضغط على القوات الإسرائيلية على جبهة قناة السويس لتخفيف الضغط على جبهة الجولان، فطلب الرئيس السادات تطوير الهجوم شرقًا لتخفيف الضغط على سوريا.
لكن الشاذلي عارض الفكرة بشدة بسبب أن أي تطوير خارج نطاق الـ 12 كيلو التي تقف القوات فيها بحماية مظلة الدفاع الجوي، يسمح للقوات الإسرائيلية بأن تشكل تهديدًا خطيرًا لأية قوات برية تتحرك في العراء دون غطاء جوي.
وبعد فشل التطوير استغلت إسرائيل تلك النقطة فيما عرف بعد ذلك بثغرة الدفرسوار، وكان من ننتيجة ذلك حدوث اختلافات في وجهات النظر حول كيفية التعامل معها، نجم عنها إقصاء الفريق الشاذلي لفترة مؤقته خلال الحرب وعين محمد عبد الغني الجمسي بدلاً منه ليقوم بالتعامل مع الثغرة.
وعلى الرغم من أنه ثبت لاحقًا صواب رأي الشاذلي، وخطأ السادات، إلا أنه لم يتوقف الخلاف بينهما عند هذا الحد، فمع إعلان مصر قبولها الدخول في مفاوضات سلام مع الكيان الصهيوني أعلن الفريق الشاذلي معارضته الشديد لمباحثات كامب ديفيد واستقال من منصبه الدبلوماسي - عمل سفيرًا لمصر في بريطانيا والبرتغال خلال الفترة من 1974 إلى 1978.
وسافر للجزائر طالبًا حق اللجوء السياسي، وظل يقيم هناك لأكثر من عقد من الزمان إلى أن عاد إلى مصر في 14 مارس 1992 بعد أن صدر ضده حكم عسكري دخل على إثره السجن الحربي بتهم، من بينها إفشاء أسرار عسكرية، وهو ما نفاه الشاذلي قائلاً إن الأسرار المزعومة كانت أسرارًا حكومية وليست أسرارًا عسكرية.
وطالب الفريق الشاذلي أن تتم إعادة محاكمته وبشكل علني إلا أن طلبه قد رفض، قبل أن يفرج عنه في أكتوبر 1993، عن طريق عفو عام، وبعد خروجه من السجن عاش منعزلاً بعيدًا عن الناس. وعاد لقريته وخصص أرضًا كوقف للإنفاق على مسجد.
لكن الرجل الذي عاش لسنوات بعيدًا عن الأضواء، برز اسمه لاحقًا كخبير إستراتيجي، وظهر على شاشات الفضائيات إبان الاحتلال الأمريكي للعراق في مارس 2003 ليحلل العمليات العسكرية مستشرفًا تداعياتها على واقع المنطقة.
ومن المفارقات أن الشاذلي كان هو الوحيد من قادة حرب أكتوبر الذي لم يتم تكريمه بأي نوع من أنواع التكريم، واستمر هذا التجاهل الذي وصل إلى حد الازدراء من الرئيس الأسبق حسني مبارك، بعد أن حذف صورته التاريخية داخل غرفة العمليات إبان حرب أكتوبر ووضع صورته مكانه.
لكن الرجل الذي لم يحظ بأي تكريم رسمي في حياته، كان يحظى عوضًا عن ذلك بتقدير شعبي كبير بين المصريين عكسته تلك الحشود التي اكتظ بها ميدان التحرير في قلب القاهرة، الذين أدوا صلاة الغائب على روحه مبارك بعد وفاته في 10 فبراير 2011، حيث شيّع في جنازة عسكرية وشعبية في نفس يوم إعلان تنحي مبارك.
وبعد تنحي مبارك بأسبوعين، أعاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة نجمة سيناء لأسرة الفريق الشاذلي، وفي 3 أكتوبر 2012 منحه الرئيس محمد مرسي قلادة النيل العظمى لدوره الكبير في حرب أكتوبر.