في حوارٍ جريء وموسع مع "المنصة"، قدم الدكتور حسام بدراوي، السياسي البارز وآخر أمين عام للحزب الوطني المنحل، رؤية نقدية حادة للوضع السياسي الراهن في مصر، كاشفاً عن تفاصيل دقيقة حول إدارة الدولة، ومستقبل السلطة، وتدهور الممارسة الديمقراطية.

ورغم تأكيده على محبته الشخصية لعبد الفتاح السيسي الذي انتخبه مرتين، أعلن بدراوي صراحة أنه لن ينتخبه مجدداً، واضعاً بذلك حداً لمساندته للنظام الحالي ومعلناً عن مرحلة جديدة من النقد البنّاء الذي يهدف للإصلاح من الداخل .

 

"منافقون أكابر": رفض قاطع لتعديل الدستور

يُشكل رفض تعديل الدستور للسماح بفترة رئاسية رابعة للسيسي حجر الزاوية في موقف بدراوي السياسي الحالي. يصف الداعين لهذا التعديل بـ "المنافقين الأكابر"، معتبراً أن تكرار تعديل الدستور لخدمة شخص الحاكم هو "مأساة سيعاني منها المجتمع المصري سنين قادمة".

ويحذر من أن تكرار نفس الأخطاء بنفس الطريقة لن يؤدي إلى نتائج مختلفة، مستشهداً بتعريف آينشتاين للغباء، في إشارة إلى أن تجاهل دروس الماضي، وتحديداً ما أدى إلى أحداث يناير 2011، هو خطر داهم على مستقبل البلاد .

ويرى بدراوي أن النظام الحالي لا يزال قابلاً للإصلاح، وأن مفتاح هذا الإصلاح يكمن في يد السيسي نفسه. ويوجه دعوة مباشرة للسيسي بضرورة تعيين نواب له كما ينص الدستور، وذلك لإفساح المجال لظهور وجوه جديدة يمكن للمجتمع أن يراها ويتفاعل معها.

كما يطالبه بالتخلي عن "القبضة الأمنية" الشديدة، مجادلاً بأن منح مساحة أكبر من الحرية قد يكون أفضل لنظام الحكم نفسه، لأنه يتيح ظهور بدائل يمكن الاستفادة منها بدلاً من الانغلاق الذي يؤدي حتماً إلى الفساد، حتى لو لم يكن مقصوداً .

 

"فجاجة واستهزاء بالشعب": تفنيد لواقع الانتخابات

يقدم بدراوي نقداً لاذعاً لإدارة الانتخابات في مصر، واصفاً إياها بأنها تتسم بـ "الفجاجة والاستهزاء بالشعب". ويشير إلى أن أساليب التدخل في الانتخابات التي كانت تحدث قبل 2011، أصبحت اليوم أكثر سوءاً ومؤسسية. ففي الماضي، كان التدخل يحدث بشكل غير رسمي، أما الآن فقد أصبحت العملية ممنهجة، حيث "أصبح للمقعد ثمن لدخول القائمة الموحدة"، وهو ما يضمن النجاح مسبقاً ويقتل أي فرصة للتنافس الحقيقي بين الأحزاب.

هذا الوضع، بحسب بدراوي، أدى إلى فقدان العلاقة بين النائب والناخب، حيث أن معظم المواطنين لا يعرفون حتى أسماء نواب دوائرهم. ويصف هذا الشكل من الانتخابات بأنه "عبث هزيل" لا يليق بدولة بحجم مصر، وهو ليس سياسة بقدر ما هو فرض لرؤية المؤسسات الأمنية.

ويكشف بدراوي أنه رفض الترشح في الانتخابات الرئاسية الماضية على الرغم من طلب المعارضة ووجود "رسائل من الأجهزة" توحي بقبول ترشحه. ويوضح أن العرض كان يهدف إلى تقديم مشهد ديمقراطي مزيف، أشبه بالانتخابات التركية، حيث يترشح منافس له قيمة أمام الرئيس، ثم يفوز الرئيس في النهاية. وقد رفض بدراوي هذا الدور الديكوري لأنه "ضحك على الشعب"، خاصة بعد أن قيل له إنه لن يستطيع طلب مناظرة رئاسية، وأن فوزه بالأغلبية أمر غير وارد.

 

هيمنة الأجهزة وغياب السياسة

يُرجع بدراوي أسباب تدهور الحياة السياسية إلى هيمنة الأجهزة الأمنية (الأمن الوطني والمخابرات العامة والحربية) على مفاصل الدولة، معتبراً أن السلطة التنفيذية الحقيقية لم تعد في يد الحكومة، بل في يد هذه الأجهزة التي تفرض رؤيتها لمصلحة الوطن. ويقارن بين حزب "مستقبل وطن" والحزب الوطني سابقاً، مؤكداً أنه "لا مقارنة على الإطلاق"؛ فحزب الأغلبية الحالي لا يأتي بالحكومة ولا يستطيع الوقوف أمام توجهات السلطة التنفيذية.

ويستشهد بموقف شخصي مع الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي اتصل به ليطلب منه عدم حضور جلسة مد حالة الطوارئ كرسالة سياسية تعبر عن رفضه، وهو نوع من الممارسة السياسية التي يراها قد اختفت تماماً اليوم. ففي الوقت الحاضر، أصبحت رغبة السلطة التنفيذية نافذة دون نقاش أو معارضة حقيقية داخل البرلمان.

وختاماً، يرى بدراوي أن الحل يكمن في استعادة السياسة والفصل الحقيقي بين السلطات كما ينص الدستور. ويوجه رسالة إلى المعارضة بضرورة الاندماج وتقديم برامج بديلة وواضحة، ورسالة للشباب يحثهم فيها على المشاركة والنظر إلى الجوانب المضيئة وربط توجههم السياسي بالأفكار لا الأشخاص، مؤكداً أن مصر تمتلك مقومات الدولة العظمى، لكنها بحاجة إلى إدارة سياسية حكيمة لتحقيق إمكاناتها.