يُعد اقتراب تحالف استثماري دولي فرنسي من الاستحواذ على أكثر من 80% من شركة دلتا للكيماويات المصرية صفقة تكشف بوضوح استمرار سياسة الحكومة المصرية في التفريط الحاد في أصولها الوطنية الاقتصادية المهمة. وتُقدر قيمة الصفقة بحوالي 50 مليون دولار، ما يجعلها واحدة من التحركات البارزة في سوق التخارجات الحكومية التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة، وسط تساؤلات واسعة حول جدوى وأهداف هذه السياسة وتأثيراتها على الاقتصاد الوطني.
تفاصيل الصفقة ومصادرها
وفقاً لمصادر مطلعة نقلتها تقارير صحفية عديدة، فإن التحالف الاستثماري الذي يضم كل من بروباركو الفرنسية وSPE Capital وأميثيس للاستثمار المباشر، تمكن من الحصول على الموافقة من جهاز حماية المنافسة المصري لإتمام صفقة الاستحواذ على أكثر من 80% من "دلتا للكيماويات". لا تزال الصفقة في انتظار استكمال الإجراءات والموافقات التنظيمية النهائية، مما يشير إلى مراحل متقدمة لكنها ليست نهائية بعد. ويأتي هذا ضمن توجه حكومي متزايد للتخارج من الشركات الوطنية لصالح مستثمرين خارجيين وجهات استثمارية دولية، ما يثير مخاوف حول فقدان السيطرة الوطنية على أصول هامة.
دلتا للكيماويات: شركة ذات أثر اقتصادي كبير
تأسست "دلتا للكيماويات" عام 2003، وتعمل في إنتاج وبيع كيماويات البناء وتوفير حلول صناعية لصناعات الدهانات والبلاستيك. تصدر الشركة منتجاتها إلى أكثر من 30 دولة حول العالم، مما يؤكد مكانتها كشركة استراتيجية تسهم بشكل ملحوظ في تعزيز صادرات مصر وصناعة الكيماويات المركزة التي ترتبط بعدة قطاعات حيوية في الاقتصاد المحلي. بتفريط الدولة في حصتها، فإنها تفقد جزءاً كبيراً من السيطرة الاستراتيجية على هذا القطاع الذي يعتبر من قطاعات النمو المهمة للاقتصاد المصري.
سياق أوسع: سياسة الحكومة في بيع الشركات الحكومية
تندرج هذه الصفقة في سياق برنامج حكومي شامل تم فيه طرح وبيع حصص في 17 شركة حكومية خلال عامين، جمعت الحكومة من خلالها ما يقارب 5.7 مليار دولار. وتستهدف الحكومة خلال عام 2025 الطرح والبيع في 10 شركات أخرى في قطاعات متنوعة تشمل البنوك والطاقة والصناعات التحويلية، إلى جانب شركات تابعة للقطاع العسكري. ويأتي هذا التوسع في الطروحات بسبب ضغوط مالية خارجية تمارسها مؤسسات مالية دولية أبرزها صندوق النقد الدولي، الذي يطالب الحكومة بتقليص دورها في الاقتصاد ورفع مساهمة القطاع الخاص، بما في ذلك القطاع الخاص الأجنبي.
آثار اقتصادية واجتماعية متوقعة
يثير هذا النهج تساؤلات حقيقية حول المستقبل الاقتصادي للبلاد، حيث يفقد الاقتصاد الوطني تدريجياً السيطرة على شركات صناعية كبرى تحقق صادرات مهمة وتوفر فرص عمل. وقد يؤدي التفريط في هذه الشركات إلى زيادة التبعية للكيانات الأجنبية ومضاعفة مخاطر تقلبات الأسواق والاستثمارات الخارجية. علاوة على ذلك، قد ينعكس ذلك سلباً على الأمن الاقتصادي والاجتماعي، إذ أن تخارج الدولة من هذه القطاعات الحيوية قد يقوض استقرار الأسعار ويحد من قدرة الحكومة على ضبط السوق وتوجيهه وفقاً لمصالحها.
انتقادات حادة لسياسات الحكومة
انتقد خبراء اقتصاديون هذه السياسة باعتبارها “موجة تفريط” تقوض سيادة الدولة على أصولها الاقتصادية وتعرضها لمخاطر فقدان الاستقلالية التنموية. وأشاروا إلى أن الأموال التي تم جنيها من البيع هي أموال قصيرة الأجل وجزئية، بينما الخسارة الحقيقية تكمن في فقدان الأصول والقدرات الإنتاجية التي قد تؤدي لتراجع النمو في المستقبل وارتفاع معدلات البطالة. كذلك، تم تسليط الضوء على الدور الخطير للضغوط الدولية في فرض هذه السياسات التي لا تأخذ في الاعتبار خصوصية الاحتياجات الوطنية والاقتصاد المصري.
بناء على ما سبق، فإن صفقة استحواذ التحالف الاستثماري على شركة دلتا للكيماويات تمثل نموذجاً صارخاً لتداعيات السياسة الحكومية في التفريط بأصول الدولة الحيوية. وهو ما يتطلب مراجعة جادة لهذه السياسة وطرح بدائل وطنية تكفل حماية الاقتصاد الوطني وتنميته بشكل مستدام يحفظ للمواطنين حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية ويضمن مستقبل الصناعة المصرية.