في ظل حالة من الخوف والقلق المتصاعد داخل دوائر النظام، وخصوصاً بعد موجة التظاهرات الشعبية التي اجتاحت المغرب الشقيق مؤخراً، يبدو أن الجنرال عبد الفتاح السيسي عزز من سيطرة المؤسسة العسكرية على مفاصل الاقتصاد، مستغلاً حالة عدم الاستقرار الإقليمية لتعميق نفوذ اللواءات داخل الاقتصاد الوطني، وتكليفهم بمهمات تنفيذية واسعة لتأمين استثمارات أجنبية وزعزعة أي بوادر اعتراض أو احتجاج داخلي.
 

تعزيز نفوذ الجيش وليس الاكتفاء الذاتي
التكليفات التي أصدرها السيسي لقيادات الجيش بجذب الاستثمارات الأجنبية لا يمكن فهمها بمعزل عن توجه أمني واضح يهدف إلى توغل أكبر للمؤسسة العسكرية في الاقتصاد على حساب المواطنين، وليس مجرد تحقيق الاكتفاء الذاتي كما تروج الحكومة رسميًا. هذه السياسات ترسم لهيمنة جديدة تُكرس الصلاحيات الواسعة للواءات التي أضحى دورها يمتد إلى قطاعات اقتصادية حيوية، ما يجعلها أدوات رئيسية في ضمان بقاء النظام السياسي والاقتصادي الحالي.
 

صلاحيات جديدة للواءات ضمن صراع ولاءات داخلي
الأمر لا يقتصر على مجرد دور اقتصادي، بل هو تحول استراتيجي يمكّن اللواءات من إدارة موارد ومشاريع ضخمة، تشمل قطاعات الزراعة والصناعات الأساسية والتموين، مع إعطاء صلاحيات مالية وتنفيذية تقطع الطريق على أي منافسة حقيقية للجيش أو القطاع الخاص. هذه الحركات تنسجم مع تحركات سابقة لسيسي بإحالة قيادات مدنية أو تقليص دورها، وتحصين قيادات عسكرية موالية في مناصب حيوية ضمن ما بات يعرف بـ«هيمنة العسكر الاقتصادية».
 

تحركات استباقية أمام بعثة صندوق النقد
تكليف الجيش بجذب الاستثمارات الأجنبية والإعلان عن خطط لتحقيق الاكتفاء الذاتي تأتي في توقيت واضح مرتبط بمحاولة الحكومة استباق بعثة صندوق النقد الدولي. هذا التحرك يهدف إلى مزيد من السيطرة العسكرية على مفاصل الاقتصاد، بما يشكل رد فعل دفاعيًا على أية مطالبات إقليمية أو دولية تطالب بالإصلاح الحقيقي وتخفيف هيمنة العسكر، ويبدو كتعزيز مباشر لولاء الجيش للنظام وسط أي أزمات قد تنتج عن الاحتجاجات الداخلية أو تقلبات سياسية بالمنطقة.
 

إحصائيات وأرقام تكشف توسع الاقتصاد العسكري
بلغت الاستثمارات الأجنبية في مصر رقماً قياسياً تجاوز 23.7 مليار دولار بين يوليو 2023 ومارس 2024، لكن نصيب المؤسسات العسكرية والعائدات منها لا تزال غير معلنة رسميًا، مما يثير تساؤلات حول مدى استفادة المواطن العادي من هذه الاستثمارات.
تستحوذ المؤسسات العسكرية على حصة كبيرة من سوق الزراعة والتموين، مع خطط للسيطرة على أكثر من 80% من الإنتاج الاستراتيجي بحلول 2030 بمساندة مالية من البنوك الحكومية.
في قطاع اللحوم، مخصصات الدعم تتجاوز 4 مليارات جنيه للمزارع العسكرية، في ظل ضعف دعم المنتجين المدنيين، ما يعكس سياسة توسيع النفوذ العسكري على حساب القطاع الخاص.
 

توغل الجيش المصري في الاقتصاد منذ 2013:

  • الاقتصاد العسكري وسيطرتة على قطاعات حيوية
    بدأت وزارة الدفاع ومؤسساته الاقتصادية تتوسع بشكل ملحوظ عقب عام 2013، حيث أصبحت تملك وتشغل قطاعات متعددة تشمل الصناعة، الزراعة، الإنشاءات، الإسمنت، الاتصالات، وحتى الخدمات التموينية، مما يجعل الجيش أحد أكبر اللاعبين في الاقتصاد المصري.
     
  • إنشاء شركات ومؤسسات عسكرية ضخمة
    على مدار السنوات بعد 2013، تأسست وتوسعت شركات وعقارات تمتلكها القوات المسلحة، مثل شركة "أرابتك" و"الشركة الوطنية للإنتاج الحربي"، التي دخلت قطاعات جديدة وأضحت منافسًا رئيسيًا للقطاع الخاص المدني.
     
  • تعزيز النفوذ في الأسواق العامة
    احتكرت الشركات العسكرية توريد عدد كبير من السلع الاستراتيجية مثل المواد الغذائية، الوقود، والسلع التموينية، مع حصولها على عقود حكومية مميزة وإعفاءات ضريبية وجمركية، مما شكل ضغطًا مباشرًا على الموردين المدنيين.
     
  • مشاريع البنية التحتية الضخمة
    قاد الجيش معظم مشاريع البنية التحتية الكبرى مثل المدن الجديدة، الطرق، والمترو، وقد تم تقنين دور القوات المسلحة كمقاول رئيسي للدولة، مما منحها قدرة هائلة على إدارة موارد ضخمة وتوجيهها وفقًا للأولويات العسكرية.
     
  • الاحتكار والتوسع خلال الظروف الاقتصادية الصعبة
    في أعقاب الأزمة الاقتصادية ونقص العملات الأجنبية، زادت المؤسسة العسكرية من أنشطتها الاقتصادية، حيث أصبحت تقترض وتسدد ديونًا وتستثمر مليونيات الدولارات، ما جعلها العصب الاقتصادي الأساسي في البلاد.
     
  • التشريعات الداعمة
    صدرت قوانين وقرارات رئاسية تعطي الجيش حق امتلاك الأصول والعقارات والمشاريع الاقتصادية، بما في ذلك قانون يسمح للقوات المسلحة بالتعاقد مباشرة مع القطاع الخاص بدون المرور بالهيئات الرقابية التقليدية، مما عزز من نفوذها الاقتصادي.

هذه الأدلة تؤكد أن الجيش المصري قد تحول منذ 2013 إلى قوة اقتصادية مهيمنة تُدار بمعزل عن القطاع المدني، وتُستخدم لتعزيز نفوذ النظام السياسي الحالي والسيطرة على مصادر الثروة الوطنية عبر اللواءات والجنرلات.