لم يعد معهد القلب القومي بإمبابة الملاذ الآمن لمرضى القلب في مصر، كما كان في الماضي، بل تحول إلى محطة مريرة للمرضى وعائلاتهم، حيث تتقاطع المعاناة الصحية مع الأعباء المالية والإدارية. مع رفع أسعار التذاكر وتقليص عدد الحالات اليومية إلى نحو 200 فقط، تراجع الدور الطبي والخدمي للمعهد بشكل كبير، وأصبح المرضى يتزاحمون على أمل الحصول على الكشف أو إجراء عملية جراحية، لكن كثيرًا ما تنتهي هذه الرحلة بالفشل، أو حتى بالموت وفقدان الأمل في الشفاء.
معاناة يومية وطوابير ممتدة
تبدأ الحكاية مع شروق كل يوم، حين تتوافد عشرات الحالات من القرى والنجوع البعيدة إلى بوابات المعهد. يقف المرضى وأهاليهم في طوابير طويلة لساعات في محاولة لحجز تذكرة. «الحاج علي» (70 عامًا) مثال حي لهذه المأساة؛ جاء من الصعيد بأمل الشفاء، ليُفاجأ بزيادة سعر التذكرة، ويقف لساعات في زحام خانق حتى تتفاقم حالته. دفع المبلغ الجديد والدموع تملأ عينيه، فقد تحولت المعاناة الصحية إلى عبء اقتصادي يثقل كاهله، ولم يعد المرض مجرد مسألة جسدية بل مأساة اجتماعية.
أم محمود: قلبٌ مريض في وسط الزحام
وسط الزحام، تجلس «أم محمود» (50 عامًا) على كرسي متحرك بعد إصابتها بجلطة قلبية. همست لابنها: «يا ولدي قلبي لا يحتمل هذا الزحام». يحاول الابن شق الطريق بين مئات المرضى بلا جدوى، يشاهد مرضى ينهارون من الإرهاق وآخرين يفترشون الأرض بحثًا عن لحظة راحة، في مشهد يعكس غياب التنظيم وسوء الإدارة داخل المعهد.
دوامة والإهمال
رحلة «شريف» مع علاج خاله «عبدالله» تكشف جانبًا آخر من الأزمة. خاله، الطبيب البيطري المتقاعد (57 عامًا)، كان يحتاج لتركيب جهاز لتنظيم ضربات القلب. لكن إجراءات التأمين الصحي والروتين الإداري استغرقت أسابيع، ليصاب المريض بعد ذلك بعدوى غريبة داخل المعهد. القطط تتجول بحرية داخل غرف المستشفى والأدوية، ما يعكس ضعف التعقيم وغياب الرقابة.
يقول شريف بغضب: «بدلًا من أن نركز على صحة خالي، كنا نركز على ورقة تأمين، وفى النهاية أصبحت هذه الورقة هي ما يوقف كل شيء». بعد إصابة خاله بالميكروب، أصبح الهدف التخلص من العدوى بدلًا من إجراء العملية، حتى الزيارة لم تكن مجانية بل مشروطة بدفع «غرامة» مالية على الباب، وسط غياب كامل للتعقيم والإجراءات الطبية السليمة.
خيبات أمل متكررة
بعد أسابيع من الانتظار، أخبر الأطباء «عبدالله» بضرورة الصيام استعدادًا للعملية في اليوم التالي، لكنه فوجئ بإلغائها فجأة: «افطر، لا توجد عملية اليوم». هذه الواقعة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير. شعر عبدالله بالإحباط النفسي الذي أثر سلبًا على قلبه، وبعد 43 يومًا من دخوله المستشفى، لم تُركب له أي أجهزة علاجية بل ساءت حالته بسبب العدوى. يقول شريف: «ما حدث ليس خطأ الأطباء، بل نتيجة روتين إداري قاتل وغياب الرقابة».
الحاجة هالة: مأساة في شباك التذاكر
في مستشفى الساحل التعليمي بدأت قصة أخرى. «الحاجة هالة» (60 عامًا) ذهبت لفحص قلبها وابنتها، لتجد نفسها أمام صدمة جديدة: شباك التذاكر لن يفتح قبل الثانية عشرة ظهرًا، والتذاكر محدودة. انتظرت ساعتين ثم اكتشفت أن سعر التذكرة تخطى المائة جنيه بعد أن كان 55 جنيهًا فقط. قالت والدموع في عينيها: «أنا كل اللي معايا 65 جنيهًا، أعمل إيه؟ بنتي تعبانة وأخويا محجوز في المستشفى بقاله سنتين».
لم ينقذها سوى «ابن حلال» دفع الفارق المالي، لكنها غادرت المكان محملة بإحساس الضياع والعبء الثقيل الذي يواجهه مرضى القلب يوميًا.
أزمة إنسانية تتطلب إنقاذًا عاجلًا
معهد القلب القومي، الذي كان رمزًا للأمل، تحول إلى ساحة تجسد فيها قصص الألم واليأس. ارتفاع أسعار التذاكر، سوء التنظيم، البيروقراطية، وانعدام الرقابة الصحية تهدد حياة المرضى. هذه الأزمة ليست مجرد خلل إداري، بل مأساة إنسانية تتطلب تدخلًا عاجلًا من وزارة الصحة والجهات المعنية لإنقاذ حياة آلاف المرضى، وضمان حقهم في العلاج والرعاية الصحية الكريمة.