شهدت مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، واحدة من أبشع الحوادث الصناعية في السنوات الأخيرة، بعدما اندلع حريق هائل داخل مصبغة ومصنع للملابس، ما أدى إلى مصرع ثمانية أشخاص وإصابة خمسة وثلاثين آخرين، وسط مشاهد مأساوية عمّتها الصرخات والاستغاثات، لتتحول المنطقة الصناعية إلى ساحة من الفوضى والرعب.
تفاصيل الواقعة
بدأت الكارثة في الساعات الأولى من النهار حينما فوجئ العاملون داخل المصبغة بألسنة اللهب تلتهم محتويات المكان بشكل متسارع. شهود عيان أكدوا أن الحريق اندلع بشكل مفاجئ نتيجة ماس كهربائي في إحدى الماكينات، سرعان ما امتد إلى باقي أجزاء المصنع المكدس بالمواد القابلة للاشتعال. وفي لحظات، تحولت جدران المصنع إلى كتلة من النار والدخان الكثيف، بينما حاول العمال النجاة بأنفسهم.
كارثة بالمحلة.. وسط الصرخات والاستغاثات مصرع 8 وإصابة 35 في حريق مصنع ملابس#مزيد pic.twitter.com/ZDJ5ebXgtM
— مزيد - Mazid (@MazidNews) September 26, 2025
رجال الحماية المدنية هرعوا إلى موقع الحادث بعد تلقي البلاغ، ودفعت مديرية أمن الغربية بعدد كبير من سيارات الإطفاء في محاولة للسيطرة على النيران التي استمرت لساعات طويلة، وسط صعوبة بالغة بسبب ضيق الممرات الداخلية وغياب مخارج الطوارئ الكافية.
الضحايا والمصابون
الحصيلة كانت فادحة؛ فقد لقى ثمانية عمال مصرعهم بينهم:
سيف طارق حسن الشريف
وليد حسن مصطفى
أحمد محمد زغلول
محمد السيد الموافي
عمرو مصطفى بركات
إضافة إلى جثتين مجهولتي الهوية لم يتم التعرف عليهما حتى الآن بسبب تفحم الجثث.
أما المصابون، فبلغ عددهم 30 شخصاً من مختلف الأعمار، بينهم شباب في مقتبل العمر وكبار تجاوزوا الستين عاماً، حيث تنوعت إصاباتهم بين حروق بالغة واختناقات وجروح نتيجة التدافع ومحاولات الفرار من الحريق. وقد جرى نقلهم جميعاً إلى مستشفى المحلة العام لتلقي العلاج، حيث وُضعت بعض الحالات تحت العناية المركزة نظراً لخطورة الإصابات.
مشاهد مأساوية
المشهد في محيط المصنع كان مؤلماً؛ صرخات الأمهات والزوجات أمام المستشفى، والعمال الذين يركضون بحثاً عن زملائهم، فيما تصاعدت ألسنة اللهب في السماء مخلفة سحابة سوداء غطت سماء المدينة. كثير من الأهالي حملوا هواتفهم لبث مشاهد الحريق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة للبحث عن أبنائهم أو نقل صورة الكارثة للرأي العام.
أسباب الحريق الأولية
التحقيقات الأولية تشير إلى أن ماساً كهربائياً كان الشرارة الأولى للحريق، إلا أن شهوداً آخرين تحدثوا عن وجود خلل في أنظمة الأمان والإطفاء بالمصنع، إضافة إلى تخزين كميات كبيرة من المواد الكيميائية والأصباغ داخل مكان العمل دون اشتراطات وقائية كافية. وهو ما أثار تساؤلات كثيرة حول مدى التزام أصحاب المصانع في المحلة بمعايير السلامة المهنية.
ردود فعل غاضبة
الحادث أثار موجة غضب واسعة بين أهالي المحلة، الذين اعتبروا أن ما جرى نتيجة طبيعية للإهمال وغياب الرقابة على المصانع التي تعمل بلا ضوابط واضحة. ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أطلقوا دعوات لمحاسبة المسؤولين، مؤكدين أن دماء العمال لا يجب أن تذهب هدراً.
أهمية المحلة الصناعية
تعتبر مدينة المحلة الكبرى واحدة من أهم المراكز الصناعية في مصر، حيث تضم عشرات المصانع والمصبغات وشركات الغزل والنسيج، ويعمل بها آلاف العمال. غير أن الحوادث المتكررة هناك تثير علامات استفهام حول واقع الأمان الصناعي، في ظل ضغط أصحاب المصانع على خفض التكاليف على حساب سلامة العمال.
وختاما فكارثة المحلة لم تكن مجرد حادث عرضي، بل جرس إنذار جديد يسلط الضوء على الخطر الكامن في بيئة العمل داخل المصانع المصرية. فبينما فقدت ثماني أسر أبناءها، ويصارع عشرات آخرون الإصابات، تبقى الحاجة ملحة لمراجعة منظومة الأمان الصناعي بجدية. ما حدث اليوم قد يتكرر غداً إذا لم تُتخذ خطوات عاجلة وحاسمة لضمان سلامة العمال الذين يمثلون العمود الفقري للصناعة الوطنية.