وجّه نحو 178 نائبا من أعضاء الكونجرس الأميركي، في خطوة لافتة، رسالة إلى قادة حكومة الاحتلال الإسرائيلي أعربوا فيها عن رفضهم القاطع لأي خطط لضم الضفة الغربية أو قطاع غزة. وأكد المشرّعون أن هذه الخطوة ستؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار والعنف في المنطقة، كما ستقوّض التقدم الذي حققته اتفاقيات أبراهام على صعيد التطبيع مع بعض الدول العربية.

وتأتي هذه الرسالة في وقت يتصاعد فيه الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، ويزداد الدعم العالمي لحل الدولتين باعتباره أساساً وحيداً لتسوية عادلة وشاملة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، في ظل حرب مدمرة على غزة وأوضاع إنسانية متدهورة تهدد حياة ملايين المدنيين.
 

موقف الكونجرس: رفض واضح للضم
الرسالة التي وقّعها 178 نائباً في مجلس النواب، معظمهم من الحزب الديمقراطي، ونُشرت عبر حساب الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية، شددت على أن الضم الأحادي للأراضي الفلسطينية ليس مقبولاً ولا يخدم المصالح الأميركية أو الإسرائيلية.

وقال النائب الديمقراطي جريجوري ميكس، أحد أبرز الموقعين، إن "الضم ليس في مصلحة إسرائيل، بل يهدد بمزيد من العنف ويعرقل أي إمكانية مستقبلية لحل الدولتين". وأوضح ميكس أن التركيز في المرحلة الحالية يجب أن ينصب على إنهاء الحرب الدائرة في غزة، ومعالجة المأساة الإنسانية الناتجة عنها، إضافة إلى إعادة المحتجزين.
 

السياسة الأميركية الثابتة: حل الدولتين
أكد أعضاء الكونجرس في رسالتهم أن السياسة الأميركية، التي تحظى بدعم الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حد سواء، تقوم على دعم المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بهدف التوصل إلى حل الدولتين.

وبحسب الرسالة، فإن أي خطوات أحادية الجانب، سواء من الفلسطينيين أو الإسرائيليين، تضر بفرص التوصل إلى اتفاق عادل ودائم. وشدد النواب على أن ضم إسرائيل لأراضٍ في الضفة الغربية أو غزة لن يؤدي إلا إلى إبعاد الطرفين أكثر عن طاولة المفاوضات، ما يعني المزيد من الجمود السياسي والميداني.
 

تحذيرات إقليمية ودولية
لم يقتصر التحذير على الداخل الأميركي، بل أشار أعضاء الكونجرس إلى مواقف شركاء إقليميين رئيسيين مثل الإمارات العربية المتحدة، التي لعبت دوراً محورياً في توقيع اتفاقيات أبراهام عام 2020. فقد أوضح مسؤولون إماراتيون أن "الضم خط أحمر"، وأن الإقدام عليه سيعرض مشاريع التطبيع الإقليمي للخطر.

كما لفت النواب إلى أن أي خطوات إسرائيلية في هذا الاتجاه ستضر بعلاقات الاحتلال مع الشركاء الأوروبيين، وستقوض الدعم الدولي له في المؤسسات العالمية، خصوصاً في ظل تصاعد الانتقادات للحرب في غزة. وأشاروا أيضاً إلى أن الأردن، الذي يرتبط باتفاق سلام مع إسرائيل منذ 1994، سيكون في مقدمة المتضررين من أي مخططات ضم جديدة، ما قد يهدد استقراره الداخلي.
 

التداعيات المحتملة للضم
في قراءتهم للمشهد، حذر المشرّعون الأميركيون من أن أي محاولة لضم غزة أو أجزاء منها لن تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي فحسب، بل ستفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية هناك. وأضافوا أن مثل هذه الخطوة ستجعل من الصعب على المجتمع الدولي المضي قدماً في مشاريع إعادة الإعمار بعد الدمار الواسع الذي خلّفته الحرب.
كما أوضحوا أن المضي في هذا المسار سيؤدي إلى عزل إسرائيل دبلوماسياً، ويضعف قدرتها على بناء شراكات استراتيجية طويلة الأمد في المنطقة والعالم.
 

دلالات الرسالة الأميركية
تحمل رسالة الكونجرس أكثر من دلالة سياسية. فمن جهة، هي مؤشر على تزايد الضغوط داخل الولايات المتحدة نفسها على حكومة الاحتلال، خصوصاً في ظل المواقف المتشددة لبعض وزرائها الداعين صراحة إلى ضم غزة أو أجزاء من الضفة الغربية.
ومن جهة ثانية، فإنها تعكس إدراكاً أميركياً متنامياً بأن استمرار الاحتلال وسياسات الضم يعرضان مصالح واشنطن الاستراتيجية في الشرق الأوسط للخطر.

كما أن توقيت الرسالة مهم للغاية، إذ يأتي في وقت يتسع فيه الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة، وسط حراك دبلوماسي متزايد يدعو إلى إحياء مسار سياسي جديد يضع حداً للحرب والاحتلال، ويمهّد الطريق لحل الدولتين.
 

خلاصة
تشير الرسالة القوية التي وجّهها أعضاء الكونغرس الأميركي إلى أن ملف ضم الأراضي الفلسطينية لم يعد شأناً داخلياً إسرائيلياً، بل قضية ذات أبعاد دولية تهدد الاستقرار الإقليمي والعالمي. وبينما تحاول حكومة الاحتلال الترويج لخططها المستقبلية في غزة والضفة الغربية، فإن الضغوط الدولية والأميركية تتزايد لإجبارها على العودة إلى مسار سياسي يضمن الحقوق الفلسطينية ويحقق الأمن لكلا الطرفين.

وبذلك، يبدو أن أي تحرك نحو الضم لن يجلب لإسرائيل سوى عزلة متزايدة، وخسارة لمكتسبات التطبيع، وتهديد لاستقرار المنطقة بأسرها، في وقت تتصاعد فيه الدعوات العالمية لتبني حل الدولتين كخيار وحيد لإنهاء الصراع المستمر منذ عقود.