تشهد الضفة الغربية منذ أيام أزمة إنسانية خانقة عند معبر الكرامة، المنفذ البري الوحيد الذي يربط الفلسطينيين بالعالم الخارجي عبر الأردن، وذلك بعد استمرار سلطات الاحتلال الصهيوني في إغلاقه ومنع مرور المسافرين. هذا القرار أدى إلى تكدس آلاف الفلسطينيين في صالات المعبر وعلى الطرق المؤدية إليه، وسط ظروف صعبة للغاية تفتقر إلى أبسط مقومات الراحة والكرامة الإنسانية.
 

معبر الكرامة.. شريان حياة محاصر
معبر الكرامة، أو ما يعرف بجسر الملك حسين، يمثل المتنفس الوحيد للفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث لا مطارات لديهم ولا موانئ بحرية، ويُجبرون على المرور عبر هذا المعبر للسفر إلى الأردن ومنه إلى باقي دول العالم. ومنذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، تسيطر سلطات الاحتلال الصهيوني بشكل كامل على المعبر، وتتحكم في ساعات فتحه وإغلاقه وإجراءات التفتيش فيه.

ويبلغ متوسط عدد المسافرين يومياً عبر المعبر نحو 8 إلى 10 آلاف شخص، بينهم طلاب جامعات، مرضى بحاجة إلى العلاج في الخارج، رجال أعمال، وعائلات تسعى للقاء أقاربها. إلا أن الإغلاق المفاجئ الذي استمر لعدة أيام جعل هذه الأعداد تتضاعف بشكل غير مسبوق، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 20 ألف فلسطيني عالقون الآن في الداخل أو على جانبي الجسر.
 

معاناة إنسانية متفاقمة
المشهد في صالات الانتظار على الجانب الفلسطيني للمعبر يختصر حجم المأساة. مئات العائلات تجلس على الأرض في ظروف مكتظة، أطفال يبكون من التعب والجوع، كبار في السن يعانون من أمراض مزمنة دون وجود رعاية صحية كافية، ونساء اضطررن للبقاء لساعات وربما أيام في أماكن غير مجهزة.

شهادات المسافرين تؤكد أن بعضهم عالق منذ ثلاثة أيام متواصلة، بلا قدرة على العودة إلى بيوتهم أو التقدم نحو الأردن. ويقول أحد العالقين: "نشعر أننا محتجزون في سجن كبير، لا نعرف متى نغادر ولا كيف سنصل إلى وجهتنا، كل ما نطلبه هو حقنا في التنقل كبشر".

أما المرضى الذين كانوا يستعدون لمواعيد علاجية عاجلة في المستشفيات الأردنية أو الأجنبية، فقد وجدوا أنفسهم في وضع بالغ الصعوبة، إذ إن أي تأخير قد يهدد حياتهم. كذلك الأمر بالنسبة للطلاب الجامعيين الذين سيفقدون فصولهم الدراسية في حال استمر هذا الإغلاق.
 

ازدواجية المعايير وغياب الضغط الدولي
يرى مراقبون أن ما يجري عند معبر الكرامة يعكس الوجه الحقيقي لسياسات الاحتلال، حيث يتم استخدام المعبر كورقة ضغط جماعية على الفلسطينيين، في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وحرية الحركة. فبينما تكفل القوانين الدولية حق الأفراد في التنقل، تفرض سلطات الاحتلال قيوداً تعسفية على الفلسطينيين، وتغلق المعبر دون تقديم مبررات واضحة سوى "الاعتبارات الأمنية".

ويؤكد محللون أن غياب الموقف الدولي الحازم تجاه هذه الانتهاكات شجع الاحتلال على التمادي في سياساته. فالمجتمع الدولي يكتفي غالباً ببيانات قلق أو دعوات عامة لتسهيل حركة الفلسطينيين، دون أن يفرض إجراءات رادعة أو ضغوطاً سياسية واقتصادية على "إسرائيل".
 

جهود فلسطينية وأردنية محدودة
من جانبها، دعت السلطة الفلسطينية إلى التدخل العاجل لإنهاء الأزمة، مؤكدة أنها تواصلت مع الجانب الأردني ومع أطراف دولية للضغط من أجل إعادة فتح المعبر. كما أعلنت وزارة الخارجية الفلسطينية أنها ستثير القضية في المحافل الدولية لفضح ممارسات الاحتلال.

أما الأردن، الذي يستقبل المسافرين من الجانب الآخر، فقد أكد استعداده لتسهيل الإجراءات بمجرد فتح المعبر، لكنه أوضح أن السيطرة الأمنية الكاملة تبقى بيد سلطات الاحتلال، ما يحد من قدرته على التدخل المباشر.
 

أصوات غاضبة وتحذيرات حقوقية
في ظل هذا المشهد، تصاعدت الأصوات الشعبية الفلسطينية الغاضبة، حيث اعتبر ناشطون أن ما يجري هو شكل من أشكال العقاب الجماعي، ودعوا إلى تحركات جماهيرية وإعلامية واسعة للضغط على الاحتلال وفضح ممارساته. كما أصدرت منظمات حقوقية بيانات تحذر من كارثة إنسانية إذا استمر إغلاق المعبر، مشيرة إلى أن الوضع الحالي يمثل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني.
 

أزمة تكشف هشاشة الواقع الفلسطيني
تأتي هذه الأزمة لتؤكد هشاشة الواقع الفلسطيني في ظل غياب السيادة على المعابر والمنافذ الحدودية، حيث يجد الفلسطيني نفسه رهينة لإجراءات الاحتلال في كل تفاصيل حياته. ومع غياب الحلول السياسية العادلة، ستبقى معاناة الفلسطينيين مستمرة، من معبر الكرامة إلى الحواجز العسكرية المنتشرة في الضفة، في صورة تعكس المعنى الحقيقي للاحتلال وسياساته.