في عام 2025، احتلت مصر المرتبة 14 عربياً من حيث متوسط الدخل، هذا التراجع يأتي في ظل استمرار أزمة اقتصادية عميقة تجتاح البلاد، حيث يعاني المواطنون من تراجع حاد في القدرة الشرائية وانخفاض ملموس في مستوى المعيشة، رغم تصاميم الحكومة لإظهار نجاحات اقتصادية غير واقعية.

وتتصدر عناوين محلية أن مصر تراجعت إلى مستوى متواضع بين الدول العربية في مؤشر متوسط الدخل/نصيب الفرد، وغالباً تُعرض هذه الأرقام كمؤشر مباشر على مدى فشل السياسات الاقتصادية.

بعيداً عن المنحنيات الإحصائية، السؤال السياسي واضح: ما دور حكومة الانقلاب في هذا التراجع؟

هذه النشرة تحلل الأرقام (دخل الفرد، الأجور، الدين)، وتربطها بتواريخ سياسات رئيسية وتصريحات لمسؤولين محليين ودوليين لإظهار مسؤولية القرارات الحكومية في تآكل مستوى المعيشة.
 

كم متوسط الأجر الشهري المصري؟
آخر بيانات متاحة عن متوسط الأجر الشهري الرسمي تشير إلى مستويات منخفضة جداً مقارنة بمعايير عربية، بيانات ديسمبر 2023 تشير إلى متوسط شهري يقارب 163–219 دولاراً حسب مصادر رسمية ومجمّعات بيانات اقتصادية، وهو رقم يضع مصر في مؤخرة كثير من جيرانها العرب عند مقارنة نصيب الفرد من الناتج أو متوسط الأجور الشهرية.

هذا الانخفاض الحقيقي في القوة الشرائية ظهر بوضوح بعد موجات التضخم وإجراءات سياسة سعر الصرف في 2023–2024.
 

السياسات المفتاحية والتواريخ.. من التعويم إلى الاقتراض
أحداث مفصلية يجب تذكرها؛ في مارس - أبريل 2024 وقّعت مصر على توسيع اتفاق بقيمة 8 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي، وتلا ذلك تعويمات للعملة ورفع أسعار الفائدة وإجراءات تقشفية تظهر آثارها على المواطنين (تاريخ الاتفاق وتعديل سعر الصرف: مارس 2024).

هذه الخطوات أدت إلى تراجعات فورية في القوة الشرائية وارتفاع الأسعار الأساسية، نسب تضخم بلغت مستويات ثلاثينية أحياناً في 2023–2024، ثم خفّت نسبياً لاحقاً بفضل حزمة إجراءات وتمويلات لاحقة في 2025.

مسؤولة صندوق النقد خلال مؤتمر صحفي (مارس 2025) قالت إن "السلطات حققت تقدماً كبيراً في استعادة الاستقرار الكلي رغم بيئة خارجية صعبة"، وهي إشارة إلى أن برنامج الإصلاح التابع للصندوق تحقق لكن مع ثمن اجتماعي.

وزير المالية بحكومة الانقلاب المصرية (تصريحات أبريل 2024) توقع نموّاً متواضعاً لكنه أقر أن التعافي مرهون بعودة الثقة واستقرار سعر الصرف، هذا الاعتراف الرسمي يربط بين قرارات الحكومة وواقع الدخل للمواطن.
 

الأسباب الاقتصادية المباشرة للانهيار النسبي في متوسط الدخل

  1. تعويم الجنيه وارتفاع التضخم (مارس 2024 وما بعده): تعويم العملة أدى إلى انخفاض قيمة المدخرات والأجور بالعملة المحلية مقابل السلع المستوردة (طاقة، غذاء، دواء)، ففقد المواطنون جزءاً كبيراً من دخلهم الحقيقي.
  2. نمو الدين العام وفقدان الإيرادات: بيانات حديثة تظهر أن الدين العام ارتفع إلى مستويات تشكل عبئاً على الموازنة، بينما عوائد قناة السويس وتدفقات السياحة والنقد الأجنبي تراجعت بعد تعرّض خطوط الملاحة لأزمات إقليمية منذ نهاية 2023، ما قلّص قدرة الدولة على دعم الدخل.
  3. سياسات تقشفية وشروط المقرضين: الشروط المرافقة لقروض دولية (تخفيض دعم مباشر، إصلاحات سوق العمل، تحرير الأسعار) دفعت بتكاليف فورية على الأسر الفقيرة والمتوسطة قبل أن تظهر أي فوائد نموّية ملموسة.

 

كيف تُحمّل حكومة الانقلاب المسئولية؟
يمكن تلخيص مسؤولية الحكومة في النقاط التالية:

  • اختيارات سياسة خاطئة زمنياً ومضمونياً: التعويم السريع دون شبكة حماية اجتماعية كافية أدى إلى صدمة دخلية كبيرة.
  • اعتماد مفرط على التمويل الخارجي: بدلاً من تحفيز نمو داخلي قائم على الاستثمار المنتج، لجأت السلطة إلى قروض كبيرة مع شروط أدت إلى تقليص الإنفاق الاجتماعي.
  • غياب سياسات توزيع عادلة: ارتفاع مؤشرات الثروة حول نخبة استثمارية مقابل انكماش دخل العمال والموظفين يعضّد فكرة أن النمو الحالي «وظيفي» ومركّز وليس واسع النطاق.

 

ثمن النمو المركّز
البيانات الرسمية وغير الرسمية توضح مفارقة؛ نمو نسبي في الناتج الكلي (GDP) بالتزامن مع تآكل الدخل المتوسط ونزوح سكاني للفئات الأضعف إلى تحت خط الفقر أو قربه.

ارتفاع بعض مؤشرات الاستثمار الأجنبي المباشر لم يصاحبه ارتفاع في متوسط الأجور أو تحسين ملموس في الخدمات العامة حتى 2024–2025.
 

بدائل لازمة الآن
إذا كانت مصر حقاً في المستوى 14 عربياً، كما يقال، فالمعنى السياسي واضح؛ الفشل في إدارة التحولات الاقتصادية وتحويل الضغوط الخارجية إلى استراتيجية تنموية عادلة.

بدائل قابلة للتطبيق يجب أن تشمل: إعادة بنية الدعم الاجتماعي، سياسات لإعادة توزيع العوائد الاستثمارية، تشجيع قطاعات منتجة كثيفة العمالة، وحوار شفاف مع المجتمع الدولي حول شروط تمويل لا تقتل الطبقة الوسطى والفقيرة، دون ذلك، سيبقى متوسط الدخل رقماً جامداً على ورق بينما يعاني المواطنون في واقع متردٍ.