في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خصّ أحمد الشرع بالشكر تركيا وقطر والسعودية، بينما تجاهل مصر ولبنان والأردن، وهي الدول التي طالما وصفت نفسها بأنها “احتضنت” ملايين اللاجئين السوريين. هذا التجاهل أثار علامات استفهام واسعة، لكنه في جوهره يعكس حقيقة مسكوت عنها: تلك الدول لم تتحمل أعباء اللاجئين من باب الدعم الإنساني، بل حولت وجودهم إلى ورقة اقتصادية وسياسية. مصر على وجه الخصوص استفادت مادياً من السوريين عبر رسوم الإقامة الباهظة والقيود الإدارية، إلى جانب تحويلاتهم المالية التي صبت في شرايين الاقتصاد المصري المأزوم. الشرع، عبر انتقائيته، وجّه رسالة صادمة لكنها دقيقة: الشكر لا يُمنح لمن استغل المعاناة، بل لمن قدّم دعماً حقيقياً.
 

تركيا وقطر والسعودية.. دعم يتجاوز الشعارات
إشادة الشرع بتركيا وقطر والسعودية ليست مفاجئة. تركيا احتضنت أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، وقدّمت لهم خدمات صحية وتعليمية شبه مجانية، وفتحت أمامهم أبواب العمل والاستثمار. قطر من جانبها دعمت السوريين بمليارات الدولارات عبر مشاريع إغاثية وتعليمية وصحية مباشرة داخل المخيمات وخارجها. أما السعودية، فقدمت دعماً مالياً وإنسانياً في مجالات متعددة، وظلت على خط دعم سياسي لمطالب المعارضة السورية. الشرع أراد أن يميز بين الدول التي تعاملت مع السوريين كقضية إنسانية وسياسية تستحق الدعم، وبين من تعاملت معهم كفرصة للجباية.
 

مصر: استضافة مشروطة برسوم ومعاناة
على الرغم من أن مصر استضافت مئات الآلاف من السوريين، إلا أن هذه الاستضافة لم تكن مجانية ولا قائمة على مبدأ الدعم. بل كانت مشروطة برسوم إقامة مرتفعة بالدولار، وبإجراءات معقدة تجعل السوري يدفع ثمناً إضافياً لمجرد البقاء. كثير من العائلات السورية اضطرت لدفع آلاف الجنيهات سنوياً فقط لتجديد أوراقها. كما أن مصر استفادت اقتصادياً من استثمارات السوريين الذين أسسوا مطاعم ومصانع ومحال تجارية، لكن دون أن يحصلوا على حقوق مساوية للمصريين. بمعنى آخر، استقبلت الدولة اللاجئين لكنها تعاملت معهم كمصدر دخل، لا كقضية إنسانية. تجاهل الشرع لمصر هنا يبدو مقصوداً: فهو يعري الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن “احتضان” السوريين بينما الواقع كان أقرب إلى “استثمار في معاناتهم”.
 

لبنان والأردن: ورقة ضغط دولية
الأمر لا يختلف كثيراً في لبنان والأردن. لبنان، الذي يستضيف أكثر من مليون لاجئ، حوّل ملف السوريين إلى أداة لابتزاز المجتمع الدولي، مطالباً بمساعدات بمليارات الدولارات سنوياً. أما الأردن، فقد اتخذ المسار نفسه، مقدماً نفسه كحارس حدود يستضيف اللاجئين مقابل تدفق المنح الغربية والخليجية. اللاجئ السوري في هذين البلدين وجد نفسه محاصراً في مخيمات فقيرة، محرومًا من حقوق التعليم والعمل الكاملة، بينما الحكومات تحوّل وجوده إلى مكاسب مالية وسياسية. الشرع بتجاهله بدا وكأنه يقول: "لا شكر لمن جعل السوريين ورقة تفاوضية".
 

دلالة سياسية عميقة
هذا التجاهل يعبّر عن إعادة رسم لخارطة التحالفات في المنطقة. الشرع لم يتجاهل عبثاً، بل أراد أن يضع النقاط على الحروف أمام العالم: التحالف قائم مع من قدّم دعماً ملموساً، لا مع من ادعى التضامن بينما كان يستنزف جيوب اللاجئين. مصر التي تحاول دائماً أن تضع نفسها كـ"داعم رئيسي للقضية السورية"، خرجت من دائرة الامتنان لأنها – من منظور اللاجئين أنفسهم – لم تُقدم دعماً فعلياً، بل استفادت من رسوم الإقامة والتحويلات المالية.
 

رسالة إلى الداخل والخارج
إلى الداخل السوري، أراد الشرع أن يقول إن المعارضة تعرف من وقف فعلاً إلى جانب الشعب ومن استغل مأساته. وإلى الخارج، وجّه رسالة مبطنة إلى الدول التي تجاهلها: التضامن لا يُقاس بعدد اللاجئين على الأرض، بل بنوعية التعامل معهم وبصدق الدعم السياسي والإنساني. تجاهل مصر ولبنان والأردن لم يكن خطأ بروتوكولياً، بل إدانة مبطنة لسياسات حولت اللاجئين إلى مصدر دخل.

في النهاية، خطاب الشرع أمام الأمم المتحدة لم يكن مجرد كلمات بروتوكولية، بل إعلان موقف. هو شكر من دعم الديمقراطية وقدّم مساعدات حقيقية، وتجاهل من استغل اللاجئين اقتصادياً وسياسياً. بالنسبة لمصر ولبنان والأردن، فإن غياب أسمائها في خطاب الشكر هو فضح علني لسياسات تعاملت مع اللاجئين السوريين كـ"خزائن متنقلة" أكثر من كونهم ضحايا حرب. هنا تتجلى المفارقة: ملايين السوريين يدفعون ثمن بقائهم في تلك الدول، بينما الامتنان يذهب لمن فتح الأبواب وقدّم الدعم بلا شروط.