أثار إعلان وزارة الإنتاج الحربي عن تعاون مصري – ياباني لتصنيع محطات لتوليد المياه من الهواء بسعة 500 لتر يومياً جدلاً واسعاً، بعد أن كان الجهاز الأول ينتج من 12 إلى 14 لتراً فقط.
ورغم ما وصفه المسؤولون بأنه "خطوة استراتيجية"، فإن الكثير من الخبراء والمتابعين يرون أن المشروع يحمل ملامح دعائية أكثر منه مشروعاً عملياً قابلاً للتطبيق على نطاق واسع.
وقد أعاد الإعلان إلى الأذهان تجارب سابقة أطلقت تحت عناوين براقة، لكن سرعان ما تبين أنها لا تحقق أهدافها، ليصف البعض المشروع الجديد بأنه "مشروع كفتة" بنسخة مائية.

ورغم الدعاية الرسمية لمثل هذه المشروعات، يؤكد خبراء أن الدولة تنفق مليارات الجنيهات على تجارب محدودة القيمة لا تستطيع بأي حال أن تعوض الموارد المائية الهائلة التي فقدتها مصر من حصتها التاريخية في نهر النيل، بسبب اتفاقية 2015 مع إثيوبيا وموافقة عبد الفتاح السيسي على إهدار الحقوق المصرية مقابل اعتراف رسمي بشرعيته في الاتحاد الإفريقي، وبذلك تحاول الحكومة تغطية هذا الفشل عبر مشروعات تجريبية باهظة التكلفة، لكنها في حقيقتها لا تسد ثغرة ولا تقدم حلاً عملياً للأزمة المائية المتفاقمة.

 

أحلام كبيرة.. ونتائج صغيرة
رغم إعلان مستشار وزير الدولة للإنتاج الحربي المهندس وليد رسمي أن المحطة الجديدة ستنتج 500 لتر يومياً، يشكك كثير من الخبراء في قدرة هذا المشروع على سد أي فجوة مائية حقيقية. فحجم الإنتاج المعلن لا يكفي حتى لتغطية احتياجات مدرسة صغيرة أو وحدة صحية، ناهيك عن قرى كاملة تعاني من العطش.

ويقول الخبير المائي الدكتور أيمن شحاتة: "500 لتر يومياً رقم متواضع للغاية إذا ما قورن بالاستثمارات الموجهة لمثل هذه المشروعات، وهو أقرب للاستهلاك المنزلي المحدود وليس مشروعاً قومياً كما يتم الترويج له".
 

تكلفة مرتفعة بلا عائد ملموس
يخشى متابعون أن يتحول المشروع إلى عبء مالي جديد على الدولة. فالتكنولوجيا المستوردة والتجهيزات الخاصة التي يتطلبها إنتاج المياه من الهواء تحتاج إلى استثمارات باهظة مقارنة بعائدها المحدود.

ويشير المهندس عصام عبد الرازق، استشاري محطات المعالجة، إلى أن: "تكلفة إنتاج لتر المياه من هذه التقنية أعلى بكثير من تكلفة تحلية مياه البحر أو إعادة استخدام مياه الصرف بعد المعالجة، ما يجعلها غير مجدية اقتصادياً في بلد يعاني من عجز مائي ضخم"، مؤكداً أن الأموال كان يمكن توجيهها لمشروعات أكثر واقعية وأعلى إنتاجية.
 

تجربة "الكفتة" حاضرة في الأذهان
المشروع الجديد أعاد إلى أذهان المصريين تجربة "جهاز الكفتة" الذي أُعلن عنه قبل سنوات كحل سحري لعلاج الإيدز وفشل الكبد، ثم تحول إلى مادة للسخرية بعد أن تبين عدم جديته. ويخشى مواطنون أن يتكرر المشهد ذاته مع جهاز "تحلية الهواء"، حيث تسلط الأضواء الإعلامية على المشروع باعتباره اختراعاً عظيماً، ثم يختفي تدريجياً من المشهد.

ويعلق الخبير المائي الدكتور محمد النجار: "ما لم تكن هناك شفافية كاملة حول نتائج الاختبارات والتكلفة الفعلية للمحطات، سيظل المشروع في خانة الدعاية السياسية لا أكثر"، مضيفاً أن إعادة إنتاج "أحلام الكفتة" بشكل جديد يضر بثقة المواطن في المؤسسات.
 

ردود غاضبة
كتب ابن مصر " حدود اتكشكشت بعد خيانة التنازل عن السواحل والموانيء والجزر! -غاز ناقص..بعد خيانة التنازل عن غازنا -كهربا مقطوعة..بعد ضياع مليارات الدولارات علي انشاء محطات وفي الآخر اتباعت.. -ميه مش واصلة.. بعد خيانة التنازل عن مياه النيل وبناء محبس عشان يعطشنا!! -فساد مالي وإداري.. قتل وإخفاء قسري. هو فاضل ايه تاني؟!".

 

وقالت بشرى طيبة " هذه من إنجازات سباطة البلح ضياع مياه النيل والجزمة في وجهه".

 

ولفت عيد " اين الشعب المصري بعد ضياع مياه النيل وبعد بيع الارض لا اسرائيل وبعد تهجير قسري لا اهلينا في العريش وفي مدينه الامل في مدينه نصر ماذا تبقي لك حتي تتحرك وقانون الايجار ومصاريف التعليم اللي انت مش قادر عليها متي تتحرك لتنقذ بلدك ولا انت كده خلاص مت".

 

أزمة المياه في مصر أعمق من الحلول التجريبية
مصر تواجه أزمة مائية حقيقية بسبب محدودية حصتها من نهر النيل، وزيادة السكان، والتغيرات المناخية. لذلك يرى الخبراء أن مثل هذه المشاريع الصغيرة لا يمكن أن تكون حلاً لأزمة بهذا الحجم.

ويقول الباحث في الموارد المائية المهندس سامح عبد العظيم: "أزمة مصر المائية تحتاج إلى مشروعات استراتيجية كبرى مثل تطوير نظم الري، وتحلية مياه البحر على نطاق واسع، وإعادة تدوير الصرف، وليس حلولاً تجريبية لا تغطي حتى احتياجات قرية واحدة"، مشيراً إلى أن الاعتماد على مشاريع شكلية يبدد الوقت والموارد.
 

دعوات للمحاسبة والشفافية
يطالب مختصون بضرورة إخضاع المشروع لرقابة محايدة وشفافية تامة في إعلان نتائجه، حتى لا يتحول إلى مجرد ملف دعائي يستهلك ميزانية الدولة بلا مردود حقيقي.
كما شددوا على ضرورة مشاركة الجامعات ومراكز البحوث المستقلة في تقييم التجربة.

وترى الخبيرة المائية الدكتورة هالة عوض أن: "أي مشروع يُطرح على أنه إنجاز استراتيجي يجب أن يكون قابلاً للقياس والتقييم، وإلا سيصبح عبئاً جديداً على المواطنين. الشفافية هي الضمان الوحيد لعدم تكرار تجارب فاشلة سبق أن خذلت المصريين".

وفي النهاية فبينما يروج المسؤولون لمشروع إنتاج المياه من الهواء باعتباره إنجازاً كبيراً نحو توطين الصناعة وتقليل الاعتماد على الخارج، يرى كثير من الخبراء أنه أقرب إلى استعراض إعلامي جديد يفتقد الجدوى الاقتصادية والعملية.
ومع استمرار أزمة المياه في مصر، تظل الحاجة ملحة إلى مشروعات حقيقية وواقعية قادرة على تلبية الطلب المتزايد على المياه، بعيداً عن "أحلام الكفتة" التي ربما تُكسب عناوين براقة لكنها لا تروي عطش المصريين.