في مشهد يلخص مسار التحولات السياسية العاصفة التي عرفتها مصر خلال العقد الأخير، يعود اسم وزير التموين الأسبق باسم عودة إلى واجهة الجدل العام والحقوقي، ليس بصفته الوزير الشاب الذي ارتبط اسمه بتحسين رغيف الخبز وأزمات الوقود، بل كمعتقل سياسي يقاسي ظروفاً قاسية داخل سجن بدر 3، بعد تقارير حديثة كشفت عن تعرضه لاعتداء جسدي ولفظي من أحد ضباط الأمن الوطني، على خلفية إضراب عن الطعام يخوضه مع عشرات السجناء.
نبوغ مبكر ورحلة أكاديمية
ولد عودة في 16 مارس 1970 بمحافظة المنوفية لأسرة متوسطة، وأظهر تفوقاً لافتاً في المراحل التعليمية وصولاً إلى جامعة القاهرة حيث التحق بكلية الهندسة. تخصص في الهندسة الحيوية الطبية وتدرج في السلك الأكاديمي حتى صار أستاذاً جامعياً واستشارياً في تكنولوجيا الرعاية الصحية، ما منحه مكانة علمية مرموقة قبل أن ينخرط في العمل السياسي.
من الثورة إلى الوزارة
انتمى عودة إلى جماعة الإخوان المسلمين في سن مبكر، وكان ناشطاً في العمل الطلابي والخدمي. برز اسمه بقوة خلال ثورة 25 يناير عام 2011، حيث شارك في حماية الميدان وتعرض لإصابة بالغة في "موقعة الجمل". وبعد الثورة، قاد المكتب التنفيذي للجان الشعبية بمحافظة الجيزة، ثم تدرج في مواقع قيادية بحزب الحرية والعدالة، ليصبح لاحقاً مسؤول ملف الطاقة والوقود في حملة الرئيس الراحل محمد مرسي.
في يناير 2013، عُيّن وزيراً للتموين في حكومة هشام قنديل، ليصبح أصغر وزير في الحكومة. وخلال ستة أشهر فقط، اكتسب لقب "وزير الغلابة" بفضل إصلاحاته الجريئة، من بينها تطوير منظومة الخبز، والقضاء على تهريب الدقيق، ورفع جودة السلع التموينية، وتوسيع نطاق المستفيدين من دعم الدولة. ويُنسب إليه تحقيق طفرة في ملف القمح، ودعم الفلاحين بأسعار توريد مجزية، وخفض فاتورة الاستيراد بعد قرار وقف استيراد القمح الأجنبي قبل موسم الحصاد.
استقالة ورفض إغراءات المنصب
مع الانقلاب عللا الرئيس محمد مرسي في يوليو 2013، استقال عودة من منصبه معلناً رفضه "خيانة القسم أمام رئيس شرعي منتخب". ووفق شهادة مدير مكتبه، تلقى عرضاً مباشراً من مكتب وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي للاستمرار وزيراً للتموين، لكنه رفض بشكل قاطع، مؤكداً أنه يقدّم استقالته للشعب لا للسلطة الجديدة.
الاعتقال والأحكام
في نوفمبر 2013، ألقت قوات الأمن القبض على عودة في أحد المصانع بوادي النطرون، ووجهت إليه اتهامات بالتحريض على العنف. تلاحقت بعدها سلسلة من القضايا والأحكام، بينها حكم بالإعدام في قضية "أحداث مسجد الاستقامة"، أُلغي لاحقاً بقرار من محكمة النقض، وحكم بالسجن المؤبد في قضايا أخرى مثل "فض اعتصام رابعة".
رغم ذلك، ظل عودة شخصية مثيرة للتعاطف والجدل، باعتباره أحد أبرز الوزراء الذين تركوا بصمة ملموسة في وقت قصير.
بدر 3.. "العقرب الجديد"
بعد أكثر من عقد على اعتقاله، عاد اسم عودة للأضواء إثر تقارير حقوقية أفادت بتعرضه للضرب داخل سجن بدر 3 على يد ضابط أمن وطني، في محاولة لإجباره على إنهاء إضرابه عن الطعام. وتحدثت التقارير عن تهديد الضابط بجعل السجن "أسوأ من العقرب"، في إشارة إلى السجن سيئ السمعة الذي أُغلق عام 2021.
منظمات محلية ودولية، بينها الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، وصفت سجن بدر 3 بأنه "العقرب الجديد"، مشيرة إلى أن وعود السلطات بتقديم نموذج إصلاحي تحولت إلى واقع أكثر قسوة: حرمان من الزيارة، إهمال طبي، عزل انفرادي مطوّل، وقيود صارمة على تواصل المعتقلين مع عائلاتهم ومحاميهم.
جدل داخلي وضغط خارجي
وزارة الداخلية سارعت إلى نفي الروايات الحقوقية، مؤكدة أن عودة "يحظى بمعاملة قانونية وفق الضوابط"، واصفة ما أُثير بـ"ادعاءات كاذبة". إلا أن شهادات لمعتقلين سابقين وناشطين – مثل أحمد دومة – عززت اتهامات التعذيب وسوء المعاملة، مشيرين إلى تورط ضباط بعينهم في انتهاكات منهجية.
من الناحية القانونية، يرى خبراء أن هذه الممارسات تمثل خرقاً للدستور والاتفاقيات الدولية التي التزمت بها مصر، مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب.
ذاكرة شعبية باقية
رغم سنوات السجن، يبقى اسم باسم عودة حاضراً في وجدان قطاعات من المصريين، خاصة عندما تثار أزمة الخبز. ففي 2025 مع تقليص وزن الرغيف المدعوم، تدفق كثيرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتذكر أيام "وزير الغلابة" ومقارنته بالوضع الحالي.
رحلة باسم عودة تختزل مسار جيل كامل من السياسيين الذين صعدوا مع ثورة يناير وسقطوا مع انقلاب 2013. بين صورة الوزير الذي طاف المخابز والأسواق حاملاً همّ الفقراء، وصورة السجين الذي يتعرض اليوم لانتهاكات في "بدر 3"، يظل عودة شاهداً على مرحلة فارقة في التاريخ المصري الحديث، وعلى جدلية مستمرة بين الإصلاح والقمع، بين الأمل والإحباط، وبين رغيف الخبز والزنزانة.