تحوّل اسم عبد المطلب القيسي، ابن منطقة الظهير في مرج الحمام غربي العاصمة الأردنية عمّان، إلى رمز جديد من رموز المقاومة الشعبية العربية، بعد أن نفّذ عملية نوعية على معبر الكرامة، أسفرت عن مقتل جنديين إسرائيليين، لتضيف قصته فصلًا جديدًا في سجل الأفراد الذين اختاروا المواجهة المباشرة ضد الاحتلال، بالتزامن مع حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها قطاع غزة منذ ما يقارب العامين.

وزارة الخارجية الأردنية أكدت هوية القيسي مساء الخميس الماضي، مشيرة إلى أنه مدني أردني من مواليد عام 1968. ورغم أنه لم يكن ينتمي لأي حزب أو جماعة، فإن تفاصيل حياته البسيطة قادته إلى فعل استثنائي، ليجسد فكرة أن المقاومة ليست حكرًا على تنظيمات أو مؤسسات، بل قد تخرج من رحم المجتمع ومن بين البسطاء.

 

من سائق شاحنات إلى مناصر لغزة
القيسي، المعروف بين أصدقائه وزملائه في قطاع النقل باسم “أبو عيسى”، عمل طويلًا في نقل البضائع قبل أن يتوقف عن عمله منذ ثلاثة أشهر، مخصصًا وقته وجهده لنقل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر الكرامة. خطوة لم تكن مجرد عمل تطوعي، بل انعكاسًا لحسه الوطني والإنساني، وإيمانه العميق بقضية فلسطين.

أقاربه أوضحوا أن ما أقدم عليه لم يكن وليد لحظة غضب أو اندفاع، بل جاء بدافع الغيرة والكرامة أمام ما يتعرض له الفلسطينيون من حصار وقتل ودمار.
وقال أحد أفراد عائلته: “عبد المطلب لم يخطط أمامنا لشيء، لكنه كان يرى أن السكوت خيانة، وأن الصمت مشاركة في الجريمة”.
 

دماء غزة في قلبه
في ظل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة بدعم أمريكي، والتي أودت – بحسب إحصاءات وزارة الصحة – بحياة أكثر من 65 ألف شهيد، وأصابت 165 ألفًا بجروح، وخلّفت أكثر من 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مجاعة كارثية، كان القيسي يعيش همًّا شخصيًا تجاه القضية.

أحد أصدقائه من سائقي الشاحنات وصفه بأنه كان “إنسانًا طيبًا، لا يبحث عن بطولة أو شهرة، بل يؤمن أن الواجب يحتم على المرء أن يتحرك لنصرة المظلوم.”
 

وصية المقاومة
الأكثر دلالة في قصة القيسي، هي الوصية التي خطها بيده قبل استشهاده، حيث كتب: “الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في غزة ستكون يومًا في بلداننا، ضد نسائنا وأطفالنا، وصمتنا اليوم جزء من مشروع (إسرائيل الكبرى). دماء الشهداء أمانة، ومن واجبنا أن نرفض الخضوع”.

 

وأكد في وصيته أنه يلتحق بركب الشهيد الأردني ماهر ذياب الجازي، الذي سبق أن ترك وصية مشابهة، معاهدًا الله والتاريخ على الاستمرار في الطريق ذاته.
 

بطولة بلا مراسم
رغم رحيله المفاجئ، لم يُفتح بيت عزاء له حتى الآن، إذ تنتظر عائلته تسلّم جثمانه من سلطات الاحتلال. وأكد ذوو القيسي أن العزاء سيُقام فقط يوم دفنه، التزامًا بالترتيبات الأمنية.

القيسي، الذي بدأ حياته كسائق شاحنة يسعى لتأمين لقمة العيش لأسرته، أنهى مسيرته بعملية وضعت اسمه في وجدان الأردنيين والفلسطينيين والعرب، كبطل شعبي اختار أن يقاوم الاحتلال بإرادته الفردية.
لقد ترك للأمة وصية شاهدة على أن فلسطين لم تغب عن وجدان العرب، وأن الدماء التي تُسكب دفاعًا عنها ستبقى حيّة، تتوارثها الأجيال.