"قليل الكلام، كثير الفعل، جندي من الطراز الأول، حافظ للسر، ومربٍّ من درجة رفيعة"، هكذا يصف رفقاء درب الدكتور محمود عزت إبراهيم، القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، الرجل الذي جمع بين دقة الطبيب، وهدوء العالم، وحزم القائد، ومثابرة الداعية.
رحلة امتدت لأكثر من سبعة عقود عاشها متنقلاً بين قاعات الجامعات، وساحات التربية، وميدان الدعوة، وزنازين السجون، وصولاً إلى قمة هرم الجماعة في واحدة من أعقد مراحلها التاريخية.
 

 

النشأة والبدايات
وُلد محمود عزت يوم 13 أغسطس 1944 في حي مصر الجديدة بالقاهرة، ونشأ في أسرة ميسورة الحال، أتاحت له قدراً من الاستقرار الذي انعكس على شخصيته الهادئة الرصينة. في سن مبكرة تعرّف على جماعة الإخوان المسلمين عام 1953، لينتظم رسمياً في صفوفها بعد أقل من عقد، عام 1962. ومنذ شبابه المبكر عُرف بالانضباط، والحرص على التربية الروحية والفكرية.
 

طريق العلم والطب
اختار عزت طريق العلم الطبي، فالتحق بكلية الطب جامعة عين شمس، وتخرج عام 1975. لم يتوقف عند هذا الحد، بل واصل مسيرته العلمية حتى نال الماجستير عام 1980، ثم الدكتوراه في الفيروسات عام 1985 من جامعة الزقازيق. وخلال مسيرته العلمية نشر عدة بحوث في مجال مقاومة عدوى المستشفيات في مصر وبريطانيا، كما اهتم بدراسة الأمراض الوبائية كالالتهاب السحائي والكوليرا.

لم يكتف بالعلم الطبي، بل اتجه أيضاً إلى العلوم الشرعية، فحصل على دبلوم معهد الدراسات الإسلامية عام 1998، ثم أتم حفظ القرآن الكريم عام 1999، وحاز إجازة في قراءة حفص من معهد القراءات في العام نفسه، ما عكس شغفه بالتوازن بين العلم المادي والزاد الروحي.
 

العمل الخيري والدعوي
برز نشاط عزت في المجال الخيري عبر الجمعية الطبية الإسلامية، حيث شغل منصب نائب رئيس مجلس إدارتها، وأسهم في تطوير مستشفياتها وخدماتها الصحية. كما ارتبط اسمه بمجال التربية والطلاب، مؤثراً في أجيال متتابعة من الشباب الجامعي. وكان ناشطاً أيضاً في قضايا حقوق الإنسان والعمل العام، حيث رأى في الدعوة وسيلة لبناء الإنسان والارتقاء بالمجتمع.
 

في صفوف الإخوان المسلمين
لم تكن علاقة عزت بالإخوان علاقة عابرة، بل التحم بالجماعة منذ صباه، وعاش مراحلها المفصلية. ففي 1965 اعتقل ضمن حملة طالت الآلاف، وقضى عشر سنوات في السجن. خرج عام 1974 ليكمل مسيرته الدراسية والدعوية. وفي سبعينيات القرن الماضي كان همزة وصل بين قيادة الجماعة والطلاب، وساهم في المخيمات التربوية الكبرى، ومنها "مخيم التوريث" بالإسكندرية عام 1980 الذي شارك في إدارته مع قيادات بارزة مثل خيرت الشاطر ومحمد حبيب.

عام 1981 اختير عضواً في مكتب الإرشاد، واستمر في مناصب قيادية متدرجة، حتى أصبح أميناً عاماً للجماعة مطلع الألفية، ثم نائباً للمرشد عام 2010. وبعد اعتقال الدكتور محمد بديع في أغسطس 2013، تولى عزت مهام القائم بأعمال المرشد العام.
 

في وجه السجون والاعتقالات
مسيرة عزت لم تخلُ من السجون؛ فقد اعتُقل عدة مرات:

  • 1965: حكم عليه بعشر سنوات سجن.
  • 1993: اعتقال ستة أشهر في قضية "سلسبيل".
  • 1995: محكمة عسكرية قضت بسجنه خمس سنوات.
  • 2008: اعتُقل مجدداً لمشاركته في تظاهرة ضد العدوان الإسرائيلي على غزة.
  • وفي أغسطس 2020 أعلنت السلطات اعتقاله بعد سبع سنوات من التخفي عقب أحداث رابعة، ليُحاكم في قضايا تصفها الجماعة بـ"الملفقة".

ومنذ اعتقاله في أغسطس 2020، يعيش محمود عزت، البالغ من العمر 81 عاماً، في زنزانة انفرادية داخل سجن بدر 3، وسط ظروف صحية قاسية. تقارير حقوقية أكدت أنه ممنوع من الزيارة والاتصال بأسرته أو محاميه، وتتم محاكمته داخل قفص زجاجي خاص يعزله عن التواصل الطبيعي مع الدفاع.

ظهر عزت في ديسمبر 2020 لأول مرة منذ اعتقاله، وكان يعاني من الإرهاق الشديد وفقدان الوزن وصعوبة في الحركة والوقوف، ما أثار المخاوف بشأن تدهور حالته الصحية. وبينما تؤكد وزارة الداخلية أنه يتلقى "الرعاية الطبية الكاملة"، تتناقض تلك التصريحات مع ما رصدته منظمات حقوقية من منع الزيارة والتضييق في سجن بدر.

 

يواجه عزت أحكاماً ثقيلة في قضايا ذات طابع سياسي، منها:

  • السجن المؤبد في قضية "أحداث مكتب الإرشاد".
  • السجن المؤبد في قضية "اقتحام الحدود الشرقية".
  • حكم بالإعدام في قضية "أحداث المنصة".

ويصف حقوقيون محاكمته بأنها "غير عادلة"، لحرمانه من حقوق أساسية مثل مقابلة محاميه أو أسرته، وهو ما اعتبروه خرقاً للمعايير الدولية للمحاكمات.
 

القائد الهادئ في زمن العواصف
على الرغم من ظروف المطاردة والاعتقال، ظل عزت يوجّه رسائل مكتوبة ومسموعة للجماعة وأنصارها، يؤكد فيها على السلمية والصمود، وعلى أن الإخوان جماعة مؤسسات لا أفراد، وأن دعوتها تنشد الحرية والعدل والكرامة الإنسانية. كثيرون اعتبروا تلك الرسائل صمام أمان منع انزلاق الجماعة إلى خيار العنف.
 

شهادات المقربين
يقول عنه نائبه السابق د. محمد حبيب: "يعتبر محمود عزت جندياً من الدرجة الأولى، عُرف عنه مثابرته ودأبه وتفانيه في العمل، فضلاً عن شهامته ومروءته وحبه الشديد للجماعة. لا يتوانى عن خدمة إخوانه، ويسأل عن أسر المعتقلين ويدعمهم باستمرار."
 

بين العلم والدعوة
جمع عزت بين مكانته الأكاديمية كأستاذ جامعي ورئيس قسم الفيروسات بجامعة الزقازيق، وبين مكانته الدعوية والتنظيمية. وبينما كان يدرّس للطلاب أحدث ما توصل إليه العلم في الفيروسات والأوبئة، كان في الوقت نفسه يزرع فيهم القيم التربوية والإنسانية، مؤكداً أن خدمة المجتمع لا تنفصل عن خدمة العلم والدين.