أُعلن يوم 18 سبتمبر 2025 عن لقاء عقد في القاهرة بين رئيس حكومة الانقلاب المصري مصطفى مدبولي ووزير الدولة السعودي د. عصام بن سعد بن سعيد، حضره أيضًا وزير المالية المصري أحمد كجوك، وقد جاء في بيان حكومي أنّ اللقاء تناول حزمة استثمارات سعودية مرتقبة في مصر ضمن قطاعات السياحة والصناعة والعقار.
هذا الإعلان أعاد على نحو فوري الحديث عن عودة ضخّ رؤوس أموال خليجية إلى القاهرة بعد توترات دبلوماسية متقطعة خلال السنوات الماضية.
مضمون الأموال
الخبر الرسمي تكررته صحف محلية وإقليمية وبيانات اقتصادية تشير إلى نية صندوق الاستثمارات العامة السعودي ضخّ حزمة استثمارات في مصر خلال المرحلة المقبلة في مجالات محددة، لكن حتى الآن لا توجد وثائق توقيع أو أرقام فصلت بنوع المشروع أو حجم الالتزام بالدولار أو الجنيه.
تقارير سابقة وُصِفت بأنها مراحل أولى مثل ما أعلنته القاهرة عن توجيه من ولي العهد السعودي بضخّ 5 مليار دولار كبداية في سبتمبر 2024، تُظهر أن التصريحات الرسمية قد تسبق التنفيذ بفجوة زمنية واضحة، وأن الشكل العملي للاستثمار غالبًا ما يحتاج إلى إعطاء تفاصيل ثم توقيع عقود.
هل عاد الرزّ الخليجي مجدداً؟
العودة الفعلية للأموال الخليجية لا تقاس بالإعلان فقط. على سبيل المثال، في نهاية 2023 و2024 شهدت مصر شكلًا من التمويل الخليجي، بين ودائع طويلة الأمد واتفاقيات استثمار، لكنّها ترافقت مع مطالبات بتنازلات اقتصادية وسياسات جذب استثماري (تسهيلات ضريبية، تخصيص أراضٍ، صفقات عقارية على السواحل).
وما دلالة اللقاء السياسية؟
اللقاء تمّ في مقر رئاسة حكومة الانقلاب المصري بالقاهرة مساء 18 سبتمبر 2025، ونشرته مواقع إخبارية مصرية والسعودية الرسمية؛ وهو يأتي في سياق زيارات واستضافات متبادلة شهدتها السنوات الماضية؛ زيارات ولي العهد ولقاءات رسمية أُعلن عنها سابقًا.
حضور وزير المالية يشير إلى أن الملف لم يكن بروتوكوليًا فقط بل اقتصاديًا تقنيًا، أي أن الحديث امتدّ إلى تفاصيل تتعلق بالتمويل والملكية، لكن دلالة اللقاء السياسية أكبر: إعادة تشميل نظام الانقلاب المصري ضمن دائرة الشراكات الخليجية الرسمية، بعد فترات توتر لا تخلو من رسائل عامة.
هل عادت العلاقات السعودية ــ المصرية طبيعية أم أنها صفقة ظرفية؟
شهدت العلاقات بين السعودية ومصر توترات في السنوات الأخيرة وصلت إلى ما وصفه بعض المحللين بتقلبات غير مسبوقة بين الرياض ونظام الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي.
لكن مع بداية 2025، وبخاصة بعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى القاهرة في أكتوبر 2024، تم توقيع اتفاقية جديدة لحماية الاستثمارات المتبادلة، مما يشير إلى إعادة بناء جسر التعاون، سواء اقتصادياً أو سياسياً.
هذا التقارب لم يكن فقط لإحياء العلاقات المتوترة، بل جاء في سياق تحديات إقليمية وأمنية، مثل تصاعد الأوضاع في غزة ومخاطر أمنية في البحر الأحمر، فلم يكن اللقاء في سبتمبر 2025 مجرد لقاء بروتوكولي، بل محطة استراتيجية لإعادة ترتيب الأوراق والعمل على تعزيز المصالح المشتركة في منطقة مضطربة.
كما أن العلاقة بين الرياض والقاهرة مرّت بمراحل تفاهم وتراجع واصطفاف مصالح، العودة الرسمية للحوارات الاقتصادية لا تعني تصفية كل الخلافات السياسية.
في حالات مماثلة سابقة، كانت الاستثمارات مرتبطة بشروط ضمنية: تسويات سياسية، منح امتيازات اقتصادية، أو صفقات عقارية واستثمارية كبيرة تُقاس بعقود طويلة المدى.
لذلك من المرجّح أننا أمام تطبيع اقتصادي مرحلي أكثر من عودة كاملة بلا شروط، الدليل العملي؛ حتى الآن لم تُصدر بيانات تفصيلية عن مبالغ موقعة أو مشاريع جاهزة للتنفيذ.
الغرف المغلقة وبيع الأصول.. هل ثمة جديد مخفي؟
هذه الاستثمارات ليست سوى جزء من لعبة أكبر في الغرف المغلقة بالاتفاقات غير المكشوفة التي يقودها السيسي وحاشيته، خاصة لبيع أراضٍ وطنية ومنشآت حيوية لصناديق استثمارية خليجية بغرض سد عجز الموازنة وتمويل نفقات الإنفاق الحكومي غير المستدام، بينما تعاني أغلبية الشعب من تدهور اقتصادي ونقص في فرص العمل وارتفاع مستمر في الأسعار.
خلال السنوات السابقة ظهرت صفقات كبرى على مساحات ومشروعات مثل رأس الحكمة ورأس جميلة وغيرها ضمن نمط بيع/شراكة مع جهات خليجية وإقليمية.
هذا التاريخ يبرر شكًّا مشروعًا لدى الرأي العام؛ أي تدفق نقدي كبير قد يرافقه عرض لأصول وطنية أو تسهيلات استثنائية.
لكن حتى تاريخه لا يوجد إعلان رسمي يربط بين هذا اللقاء وقوائم أصول محددة سيتم طرحها للبيع، وبالتالي الحديث عن خطة سرية لبيع مطارات أو أراضٍ يبقى استنتاجًا قابلًا للتوثيق أو نفيه فقط عبر عقود وتواريخ توقيع علنية.
ما يمكن قوله بدقة؛ نمط التعامل الاقتصادي المتبع سابقًا يستدعي رقابة وشفافية لأن الفرص الاستثمارية غالبًا ما تُحوّل إلى صفقات طويلة الأمد تؤثر في الملكية والقدرة على إدارة الموارد الوطنية.
الأبعاد الاقتصادية وحجم الاستثمارات السعودية في مصر
بحسب مصادر رسمية وتقارير إعلامية، يملك صندوق الاستثمارات العامة السعودي محفظة استثمارية ضخمة تزيد عن 700 مليار دولار، وهو ينظر إلى مصر كبيئة استثمارية واعدة رغم حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي التي تشهدها البلاد تحت حكم السيسي.
أعلن ولي العهد السعودي في سبتمبر 2024 توجيه الصندوق لضخ استثمارات بقيمة 5 مليار دولار في مصر كمرحلة أولى، وتواصل الحديث عن زيادات في هذه الحزمة وتنوع القطاعات المستهدفة، خاصة في السياحة والصناعة والعقارات.
تُظهر الإحصاءات أن حجم التبادل التجاري بين مصر والسعودية قد وصل إلى حوالي 5.9 مليار دولار في النصف الأول من عام 2025، في ظل تحسن نسبي للعلاقات الاقتصادية بالرغم من الظرف السياسي.
خلاصة واستنتاج
التاريخ الاقتصادي والسياسي يُعلّمنا أن مثل هذه البيانات واللقاءات قد تسبق تنفيذًا فعليًا بأشهر أو سنوات، وأن ثمن الودّ الخليجي، قد يكون تنازلات اقتصادية أو بيع أصول استراتيجية.
فحوى اللقاء أنّ التركيز سيكون على السياحة والصناعة والعقار، وهو ما تروج له أجهزة الدعاية الحكومية كإنعاش للاقتصاد؛
بينما يحذر اقتصاديون مستقلون من أن الاعتماد المفرط على استثمارات سيادية خليجية قد يقوّض سياسات التنمية الذاتية ويحوّل أصولًا استراتيجية إلى شراكات طويلة الأمد بشروط قد لا تخدم المدى البعيد.
كما أن السياسيين يرون في هذه الخطوات محاولة تجميل صور نظام الانقلاب المصري الداخليًا وخارجيًا دون إصلاحات حقيقية.