في قلب صحراء أبو زعبل بمحافظة القليوبية، تقع مستعمرة الجذام، التي تأسست منذ أكثر من 80 عامًا لعزل ورعاية مرضى الجذام. تُعتبر هذه المستعمرة بمثابة "البيت الأخير" للكثيرين الذين يعانون من هذا المرض المزمن. ورغم مرور الوقت، إلا أن معاناة المرضى في هذه المستعمرة لم تنتهِ بعد، بل تزداد يومًا بعد يوم.
 

الموقع والعزلة
تقع المستعمرة في منطقة نائية، ما يجعل الوصول إليها صعبًا. هذه العزلة الجغرافية تساهم في عزل المرضى اجتماعيًا وطبيًا، مما يزيد من معاناتهم.
ويقول الدكتور سامي عبد الرحمن، أستاذ الصحة العامة: "العزلة الجغرافية لا تساهم فقط في تقييد حركة المرضى، بل تعمّق من الوصمة الاجتماعية تجاههم، وتجعل فكرة دمجهم في المجتمع شبه مستحيلة، خصوصًا في غياب برامج توعية شاملة."
 

الوضع الصحي والخدمات الطبية
تعاني المستعمرة من نقص حاد في الأطباء المتخصصين، حيث يتوفر فقط طبيب باطنة وآخر للأطفال. تُغلق العديد من الأقسام الطبية، ولا تُستقبل حالات جديدة. العزل البدائي لا يوفر مراقبة طبية أو طوارئ حقيقية، مما يعرض حياة المرضى للخطر. تأخر الأدوية والعلاجات الأساسية يزيد من تفاقم الوضع الصحي.
وتشير الدكتورة هالة الشاذلي، استشارية الأمراض الجلدية، إلى أن: "مرض الجذام يمكن السيطرة عليه وعلاجه بالأدوية المتوفرة عالميًا، لكن غياب التوزيع المنتظم للأدوية والتأخر في التشخيص يؤدي إلى مضاعفات دائمة وإعاقات يمكن تفاديها."
 

معاناة المرضى اليومية
يعيش المرضى في ظروف صحية ومأوى متواضع وغير ملائم. نقص البنية التحتية الأساسية مثل المياه النظيفة والصرف الصحي والمرافق الطبية يجعل حياتهم أكثر صعوبة.
ويوضح الدكتور محمد كمال، خبير التنمية المجتمعية: "البيئة الصحية الرديئة لا تقتصر آثارها على المرضى فقط، بل تهدد العاملين في المستعمرة والزائرين أيضًا، فالأوضاع الحالية لا تليق بمكان يُفترض أنه مخصص للعلاج والرعاية."
 

الوعي والتثقيف الصحي
غياب برامج التوعية حول الجذام وطرق الوقاية والعلاج المبكر يساهم في انتشار الخرافات والمعلومات الخاطئة بين المرضى، مما يزيد من تأخر تلقي العلاج.
وتقول الدكتورة منى حسين، الباحثة في الصحة المجتمعية: "التثقيف الصحي جزء لا يتجزأ من العلاج، وغيابه يرسخ الأفكار المغلوطة، مثل الاعتقاد بأن الجذام مرض وراثي أو غير قابل للعلاج، وهو ما يؤدي إلى عزوف المرضى عن طلب المساعدة الطبية."
 

الإهمال الإداري والدعم الحكومي
الحكومة تقدم دعمًا محدودًا وغير كافٍ لتغطية احتياجات المرضى أو فتح الأقسام المغلقة. المنظمات غير الحكومية تواجه صعوبات في التمويل والبنية التحتية، مما يقلل من تأثير المساعدات.
ويؤكد الدكتور عادل مختار، خبير السياسات الصحية: "الإهمال الإداري المزمن وغياب التخطيط الاستراتيجي يجعل جهود الحكومة متفرقة وغير كافية، بينما تحتاج المستعمرة إلى تدخل شامل ومستدام يضمن الرعاية الطبية والدمج الاجتماعي."
 

الوضع النفسي والاجتماعي للمرضى
عزلة المرضى عن المجتمع تسبب وصمة اجتماعية كبيرة، وتجعلهم أكثر اعتمادًا على المستعمرة نفسها. الإقصاء الاجتماعي يزيد من المشكلات النفسية ويحد من فرص الدمج في المجتمع بعد العلاج.
ويرى الدكتور طارق صبحي، أستاذ الطب النفسي: "الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالجذام أحيانًا تكون أشد ألمًا من المرض نفسه، فالمرضى يعيشون عزلة مزدوجة: جسدية ونفسية، وهذا يضاعف من معدلات الاكتئاب والانتحار بينهم."
 

غياب الطوارئ والإسعاف الفوري
لا توجد طوارئ مجهزة للتعامل مع الحالات الحرجة أو المضاعفات المفاجئة. العزل البدائي يجعل المرضى عرضة للموت أو مضاعفات يمكن تجنبها بالعلاج الفوري.
ويشير الدكتور ياسر بدوي، أستاذ طب الطوارئ: "أي مستشفى أو مركز علاجي يجب أن يمتلك قسم طوارئ مجهزًا، غياب هذه الخدمة في مستعمرة تضم مئات المرضى أمر كارثي، ويكشف غياب الرقابة الصحية."
 

الحاجة لإصلاحات عاجلة
إعادة فتح الأقسام المغلقة واستقبال المرضى الجدد بشكل عاجل. توفير أطباء متخصصين ومستلزمات طبية كاملة. تطوير نظام عزل آمن وذو مراقبة طبية حقيقية للطوارئ. برامج دعم نفسي وتعليمي ورفع الوعي الصحي بين المرضى والمجتمع المحيط.

وتقول الدكتورة نجلاء علي، خبيرة حقوق الإنسان: "القضية لم تعد طبية فقط، بل إنسانية في المقام الأول، فترك هؤلاء المرضى في عزلة دون دعم ورعاية انتهاك صارخ لحقوقهم الأساسية في الصحة والكرامة."

وختاما فإن مستعمرة الجذام في أبو زعبل تُعد مثالًا صارخًا على الإهمال الطبي والاجتماعي. رغم الوعود الحكومية بالقضاء على المرض، إلا أن الواقع يشير إلى استمرار معاناة المرضى في ظل ظروف قاسية. يجب على الدولة والمجتمع المدني العمل معًا لتحسين أوضاع هؤلاء المرضى وتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية اللازمة لهم.