المشروع أُعلن في عام 2014 على أنه سيكتمل في 2020، لكن بعد مرور أكثر من عشر سنوات لم يتحقق الهدف المعلن. نسبة التنفيذ الحقيقية أقل بكثير من المليون وحدة السكنية التي وُعِد بها، ما يفضح الفجوة بين الوعود والواقع. هذه الفجوة تكشف عن ضعف التخطيط والتنفيذ لدى الحكومة، وتثير تساؤلات حول مدى جدية الالتزام بالوعود المقدمة للمواطنين، خاصة وأن المشروع كان من المفترض أن يكون حلاً جذريًا لمشكلة الإسكان لمحدودي الدخل.
 

تضخم أسعار الوحدات
عند بداية المشروع كانت الشقة تُطرح بسعر يقارب 150 ألف جنيه. اليوم، نفس الوحدة (90 م²) تُباع بما بين 850 و900 ألف جنيه. هذه الأسعار وصلت إلى مستوى يناسب الطبقة المتوسطة العليا، رغم أن المشروع موجّه أساسًا لمحدودي الدخل. التضخم الكبير في الأسعار يبرز التناقض بين الهدف الاجتماعي المعلن وبين واقع السوق، حيث أصبحت الوحدة بعيدة المنال عمن كان يُفترض أن يستفيد منها.
 

مقدم الحجز غير متناسب مع الواقع الاقتصادي
مقدم الحجز للوحدات تحت الإنشاء يبلغ 50 ألف جنيه، وللوحدات الجاهزة للتسليم 25 ألف جنيه (وفي بعض الإعلانات السابقة وصل 15 ألف فقط). حتى هذا الحد الأدنى (25 أو 15 ألف) يُمثل عبئًا كبيرًا على فقراء يعيشون برواتب لا تتجاوز 4 أو 5 آلاف جنيه شهريًا. هذا يجعل من الصعب على الفئات الأكثر احتياجًا الالتزام بالشروط المالية، ويحدّ من قدرة المشروع على تحقيق هدفه المعلن، وهو توفير سكن ميسّر لمن لا يملك القدرة على شراء وحدات بأسعار السوق.
https://x.com/i/status/1969377251335561605
 

المفارقة مع سوق الإيجارات
أقل إيجار لشقة متواضعة في مناطق شعبية أو على أطراف المدن بلغ حاليًا نحو 3 آلاف جنيه. معنى ذلك أن الفقير العاجز عن دفع إيجار بهذا المستوى لن يتمكن من دفع مقدم 25 أو 50 ألف جنيه، ولا من الالتزام بالأقساط الشهرية المفروضة. هذا يوضح حجم الانفصال بين ما يُعلن رسميًا كحزمة دعم اجتماعي وبين الواقع المعيشي اليومي لمحدودي الدخل، مما يجعل المشروع بعيدًا عن الهدف الاجتماعي الذي أُطلق من أجله.
 

الدعاية السياسية مقابل النتائج
السيسي يقدّم المشروع في خطاباته كـ "إنجاز تاريخي"، لكن الأرقام على الأرض تكشف خلاف ذلك: التنفيذ متأخر، التكلفة أعلى بكثير، والنتيجة لا تخدم فعليًا الفئة المستهدفة. الحكومة تستخدم صور وفيديوهات "تسليم المفاتيح" كأداة دعائية، بينما يُستبعد معظم المستحقين الفعليين لعدم قدرتهم على الالتزام بالشروط المالية. هذا الاستعراض الإعلامي يخلق وهم الإنجاز، بينما يظل المواطن الفقير في انتظار حلول حقيقية لمشكلات الإسكان.
 

تغوّل الدولة على السوق العقاري
بدلاً من تقديم وحدات مدعومة للفقراء، أصبحت الدولة منافسًا مباشرًا لشركات التطوير العقاري، تبيع الوحدات بأسعار قريبة من السوق، وتتحكم في الأراضي والمرافق. هذا يحوّل المشروع من سياسة اجتماعية إلى مشروع استثماري حكومي ضخم. كما أن هذه السيطرة على السوق العقاري ترفع الأسعار عمومًا وتقلل فرص المواطنين الفقراء في الحصول على سكن ميسّر، بينما تُركّز الموارد العامة على مشاريع لا تخدم فعليًا الفئات الأكثر احتياجًا.
 

الانحراف عن الهدف الأصلي
المشروع وُجه أساسًا لسكان العشوائيات والفقراء. لكن أغلب المستفيدين الفعليين الآن هم موظفون وأصحاب دخول ثابتة من الطبقة المتوسطة، فيما يظل محدودو الدخل في الإيجار أو العشوائيات. هذا الانحراف يعكس تحول المشروع من هدف اجتماعي حقيقي إلى أداة سياسية واقتصادية، يرفع شعار الدعم الاجتماعي لكنه لا يخدم الفئات المستهدفة.
 

الخلاصة
المشروع تحوّل من وعد بـ "سكن ميسّر للفقراء" إلى استثمار عقاري حكومي يبيع شققًا بأسعار تقترب من السوق. السيسي وحكومته قدّموا وعودًا بشعارات اجتماعية، بينما الواقع: أسعار تضاعفت، المدد الزمنية فشلت، والفقير أصبح عاجزًا عن إيجاد سكن سواء بالشراء أو حتى بالإيجار. هذا التقرير يسلط الضوء على الفجوة بين الوعود والواقع، ويكشف أن المشروع لم يحقق الهدف الاجتماعي الذي أعلن من أجله، مما يطرح سؤالاً جوهريًا حول مصداقية السياسات الحكومية في ملف الإسكان الاجتماعي.