تستمر حكومة الانقلاب في سياساتها الرامية إلى تحرير أسعار الطاقة بحجة إصلاح الاقتصاد وخفض عجز الموازنة، لكن هذه السياسات تأتي على حساب المصانع والمستهلكين معًا.

فقرارات رفع أسعار الغاز والوقود تؤدي إلى موجات تضخمية جديدة، وتضعف تنافسية الصناعة المحلية، فيما يبقى المواطن هو الطرف الأكثر تضررًا في معادلة الإصلاح.

 

رفع أسعار الغاز للمصانع.. عبء إضافي على الإنتاج

وأبلغت الحكومة المصنعين رسميًا بقرار رفع أسعار الغاز الطبيعي بحد أدنى دولار واحد لكل مليون وحدة حرارية.

ورغم اختلاف تعريفة الغاز بين القطاعات (4.5 دولار لقطاع الأسمدة الأزوتية، 5.7 دولار للحديد والصلب، 12 دولارًا للأسمنت، و4.75 دولار لباقي الأنشطة)، إلا أن الزيادة ستشمل الجميع، ما يرفع تكاليف الإنتاج بشكل مباشر.

هذا القرار يعكس تجاهل الحكومة للأوضاع الصعبة التي يمر بها القطاع الصناعي وسط ركود السوق المحلي وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.

 

خطط إنهاء دعم الغاز.. ضرب الصناعة في مقتل

تسعى الحكومة لإنهاء دعم الغاز للقطاع الصناعي خلال 3 سنوات، بتدرج "مدروس" كما تقول.

لكن الحقيقة أن تكلفة الدعم التي تبلغ 165 مليون دولار شهريًا ليست رفاهية بل ضرورة للحفاظ على بقاء المصانع.

التجربة السابقة لانقطاع الغاز الإسرائيلي وتوقف خطوط إنتاج لأسابيع تكشف هشاشة هذا القطاع.

ورغم ذلك، تصر الحكومة على تحميل المصانع عبء الإصلاح المالي، دون توفير بدائل أو خطط دعم إنتاجية.

 

زيادة أسعار الوقود في أكتوبر.. المواطن أول الضحايا

أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن الزيادة المقررة في أكتوبر لأسعار البنزين والسولار وأسطوانات البوتاجاز ستكون "الأخيرة".

ورغم هذا التوصيف المطمئن ظاهريًا، إلا أن المواطن البسيط سيواجه ارتفاعًا جديدًا في أسعار المواصلات والسلع، لأن كل زيادة في الوقود تنعكس مباشرة على تكلفة النقل والإنتاج.

وحتى بقاء دعم السولار لا يحمي السوق من موجة الغلاء المتوقعة.

 

الموازنة العامة.. خفض الدعم بلا حماية اجتماعية

شهدت موازنة 2025-2026 تراجعًا كبيرًا في دعم الوقود ليصل إلى 75 مليار جنيه فقط، مقارنة بـ154.5 مليار جنيه في العام السابق.

صحيح أن الحكومة تبرر ذلك بضرورة خفض العجز وتوجيه الموارد إلى ملفات أخرى، لكن الواقع يكشف أن تقليص الدعم يتم دون تعزيز برامج الحماية الاجتماعية الكافية، ما يزيد من معاناة الطبقات الوسطى والفقيرة.

 

الكهرباء: تأجيل الزيادة لا يلغي الخطر

أعلن مدبولي أنه لا زيادة في أسعار الكهرباء "في الوقت الحالي"، مبررًا ذلك بمراعاة التضخم. لكن هذا التأجيل لا يلغي التوجه المستقبلي لتحرير أسعار الكهرباء كما حدث مع الوقود. وفي ظل اعتماد 60% من إنتاج الكهرباء على الغاز الطبيعي، فإن أي ارتفاع في أسعار الغاز سيترجم لاحقًا إلى زيادات في فواتير الكهرباء.

 

الطاقة المتجددة.. وعود بلا نتائج ملموسة

تتحدث الحكومة عن رفع نسبة الطاقة المتجددة إلى 42% بحلول عام 2030، بعدما وصلت حاليًا إلى 22% فقط.

لكن الواقع أن الاعتماد الأساسي لا يزال على الغاز الطبيعي، ما يجعل الاقتصاد عرضة للتقلبات الدولية.

المواطن لم يلمس حتى الآن أي تخفيف حقيقي في فاتورته نتيجة هذه المشاريع، ما يجعل الوعود أقرب إلى شعارات تسويقية من كونها حلولًا عملية.

 

إصلاح مشوّه ومعاناة متفاقمة

قرارات رفع أسعار الغاز والوقود ليست سوى حلقة جديدة في مسلسل تحميل المواطن والصناعة كلفة "الإصلاح الاقتصادي".

فبينما تروج الحكومة لمكاسب مالية وخفض الدعم، يتزايد العبء على المستهلك والمصنع معًا، دون أن يقابله تحسين في الخدمات أو حماية اجتماعية كافية.

الإصلاح الحقيقي يجب أن يوازن بين احتياجات الدولة المالية وحقوق المواطنين في حياة كريمة، وهو ما يبدو غائبًا عن سياسات الحكومة الحالية.