أصدرت محكمة فيدرالية أمريكية في مانهاتن، الخميس، حكماً بسجن نادين مينينديز، زوجة السيناتور السابق بوب مينينديز، مدة أربع سنوات ونصف، بعد إدانتها في قضية فساد دولي ارتبطت بملف رشاوى شمل سبائك ذهب ومبالغ مالية ضخمة. هذا الحكم جاء ليضيف فصلاً جديداً في واحدة من أخطر القضايا التي كشفت تداخل المال بالسياسة الخارجية الأمريكية، مع خيوط تمتد مباشرة إلى القاهرة عبر رجل الأعمال المصري–الأمريكي وائل حنا.
سقوط عائلة مينينديز
نادين مينينديز (58 عاماً) أدينت بجميع التهم الموجهة إليها وعددها 15، تضمنت الرشوة والاحتيال وتبييض الأموال.
التحقيقات أثبتت أنها قبلت أموالاً ومنافع بمئات الآلاف من الدولارات مقابل قيام زوجها، السيناتور السابق عن ولاية نيوجيرسي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، باستغلال منصبه لصالح رجال أعمال على صلة بمصر.
في كانون الثاني الماضي، كان بوب مينينديز قد تلقى حكماً بالسجن 11 عاماً بعد إدانته بتلقي رشاوى تضمنت سبائك ذهب وسيارة فارهة وأموالاً نقدية.
ممثلو الادعاء وصفوا القضية بأنها تجسد “أحد أكثر أشكال الفساد العام وقاحة”، مشيرين إلى استغلال مباشر لسلطة مشرّع أمريكي لصالح مصالح أجنبية، وهو ما وضعه في خانة “أول سيناتور في تاريخ الولايات المتحدة يُدان بالعمل كعميل لصالح دولة أجنبية”.
دور وائل حنا: رجل الأعمال الغامض
التحقيقات كشفت أن الخيط الأبرز في هذه القضية هو رجل الأعمال المصري–الأمريكي وائل حنا، المقيم في نيوجيرسي، والذي حصلت شركته (IS EG Halal) على امتياز حصري لإصدار شهادات اللحوم الحلال لصادرات اللحوم الأمريكية إلى مصر، رغم افتقارها إلى الخبرة في هذا المجال.
هذه الصفقة وصفت بأنها “مكافأة سياسية” حصل عليها حنا بفضل نفوذ مينينديز وزوجته.
وثائق التحقيق بيّنت أن مينينديز ساعد في تمرير صفقات عسكرية لصالح القاهرة بلغت قيمتها نحو 2.56 مليار دولار، كما سرّب معلومات حساسة من وزارة الخارجية الأمريكية عبر زوجته نادين إلى وائل حنا، الذي لعب دور الوسيط لنقلها إلى مسؤولين مصريين رفيعي المستوى.
رسائل واتصالات تكشف المستور
الأدلة شملت رسائل نصية تبادلتها نادين مع مسؤولين مصريين عام 2020، كانت تتباهى فيها بنفوذ زوجها وقدرته على تمرير القرارات في واشنطن.
هذه الرسائل كانت تصل عبر حنا الذي لعب دور “المبعوث غير الرسمي” بين نظام السيسي ومكتب مينينديز.
وفي عام 2021، التقى السيناتور بأحد كبار مسؤولي المخابرات المصرية في واشنطن، في لقاء رُتب بدعم من حنا، حيث جرى نقاش حول ملفات شائكة بينها حقوق الإنسان.
تداعيات سياسية وقانونية
القضية لم تتوقف عند حدود الرشى والذهب، بل ضربت صورة المؤسسة التشريعية الأمريكية في العمق، وأجبرت مينينديز على الاستقالة من مجلس الشيوخ في أغسطس 2024، بعد 18 عاماً من تمثيل نيوجيرسي.
العثور على سبائك ذهب ومبالغ نقدية في منزله سرّع من سقوطه السياسي.
أما نادين، فكانت محاكمتها قد تأجلت بسبب علاجها من سرطان الثدي، قبل أن تستكمل هذا العام وتنتهي بالحكم بسجنها أربع سنوات ونصف.
في المقابل، يواجه وائل حنا نفسه اتهامات مباشرة بدفع رشاوى وتسهيل تمرير معلومات وامتيازات تجارية مقابل خدمات سياسية لصالح مصر.
القاهرة في قلب العاصفة
القضية ألقت بظلالها الثقيلة على العلاقات الأمريكية–المصرية، إذ ربطتها الوثائق بشكل مباشر بصفقات عسكرية ودبلوماسية حساسة.
وبينما نفى نظام السيسي رسمياً أي علاقة بالرشاوى، إلا أن ورود اسم مصر مراراً في التحقيقات فتح الباب أمام تساؤلات صعبة في واشنطن حول طبيعة توعل الفساد المصري داخل أروقة الكونغرس.
بهذا، تصبح قضية مينينديز وزوجته أكثر من مجرد ملف فساد محلي؛ إنها قصة تكشف كيف يمكن لذهب وسبائك ورجل أعمال مثل وائل حنا أن يفتحوا ثغرة في جدار السياسة الخارجية الأمريكية، لتتحول إلى قضية تضع القاهرة وواشنطن معاً تحت المجهر.