تشهد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أزمة متفاقمة، بعدما كشفت هيئة البث العبرية عن حادثة جديدة تمثلت في رفض ستة جنود من لواء "جفعاتي" المشاركة في جولة قتال بقطاع غزة، ما دفع قيادتهم إلى معاقبتهم بالسجن.
وبرر الجنود موقفهم بأنهم يعانون من إنهاك جسدي وضغط نفسي متراكم، خاصة بعد الأوامر بالدخول إلى مناطق شديدة الخطورة في جباليا شمالي القطاع.

هذه الواقعة ليست الأولى من نوعها، إذ تضاف إلى سلسلة حوادث مشابهة تعكس حالة الإنهاك النفسي المتزايد داخل صفوف الجيش الإسرائيلي، بعد مرور ما يقارب عامين على الحرب المستمرة ضد غزة، وما تخللها من خسائر بشرية وضغط ميداني متواصل.
 

الإنهاك النفسي: قنبلة موقوتة داخل الجيش
منذ بداية الحرب الأخيرة على غزة، واجه الجيش الإسرائيلي ضغوطًا غير مسبوقة على مستوى الجبهات المتعددة.
فإلى جانب الخسائر البشرية وتكرار الاشتباكات في مناطق مكتظة كجباليا وخان يونس، تتزايد معاناة الجنود من أعراض الإرهاق النفسي والذهني.

الحادثة الأخيرة مع جنود "جفعاتي" تكشف عمق هذه الأزمة، إذ تشير إلى أن الإصرار على الدفع بالجنود إلى القتال المستمر دون فترات استراحة أو دعم نفسي مناسب أدى إلى تفكك في الانضباط، ما قد ينعكس على الأداء العسكري برمته.
 

أرقام صادمة تكشف حجم الأزمة
الأزمة النفسية داخل صفوف الجيش الإسرائيلي لم تعد مجرد تقديرات، بل تؤكدها أرقام وإحصاءات رسمية ودراسات أكاديمية:

  • وفقًا لتقرير نشرته Jerusalem Post، تم فصل أكثر من 1,100 جندي من الخدمة منذ بدء الحرب على غزة بسبب إصابتهم باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
  • دراسة صادرة عن جامعة تل أبيب أظهرت أن نحو 12% من الجنود الاحتياطيين الذين شاركوا في العمليات القتالية أظهروا أعراضًا واضحة للاضطراب النفسي.
  • وزارة الدفاع الإسرائيلية أعلنت أن حوالي 26,000 جندي تلقوا علاجًا نفسيًا منذ اندلاع الحرب، من بينهم ثلث يعانون من PTSD.
  • تقارير أخرى تحدثت عن ارتفاع ملحوظ في حالات الانتحار داخل الجيش، إذ سُجلت 17 حالة في 2023، و21 حالة في 2024، بينما شهدت الشهور الأولى من 2025 وحدها 18 حالة.

هذه الأرقام تضع المؤسسة العسكرية أمام تحدٍ خطير يتجاوز الخسائر الميدانية، ليصل إلى قلب الروح المعنوية للجنود.
 

تداعيات على الأداء العسكري
تزايد حالات الإنهاك النفسي والرفض العلني لأوامر القتال يعكس هشاشة متنامية داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. فمع كل واقعة من هذا النوع، يزداد الضغط على القيادة العليا، التي تجد نفسها أمام معضلة مزدوجة: الاستمرار في العمليات العسكرية مع الحفاظ على معنويات الجنود.
ويرى مراقبون أن استمرار هذه الأوضاع قد يؤدي إلى خلخلة أكبر في تماسك وحدات الجيش، خاصة مع اتساع نطاق الرفض الداخلي أو حتى تسرب الروح السلبية إلى باقي الوحدات.
 

أزمة عميقة تتجاوز غزة
تُظهر هذه المؤشرات أن الأزمة داخل الجيش الإسرائيلي ليست مرتبطة فقط بالحرب على غزة، بل تعكس خللًا هيكليًا في قدرة المؤسسة العسكرية على التعامل مع ضغوط طويلة الأمد.
فغياب الدعم النفسي الفعّال، وارتفاع أعداد المصابين بالاضطرابات النفسية، وتزايد حالات الانتحار، كلها عوامل قد تُفاقم التصدعات الداخلية وتفتح الباب أمام أزمة أكبر في المستقبل.

وفي النهاية فإن حادثة رفض ستة جنود من لواء "جفعاتي" المشاركة في القتال تمثل صورة مصغرة لمأزق أوسع يواجه الجيش الإسرائيلي، حيث تترنح المعنويات تحت وطأة حرب طويلة الأمد.
ومع تصاعد الأرقام المقلقة حول الاضطرابات النفسية والانتحار داخل صفوفه، يبدو أن المؤسسة العسكرية مقبلة على تحديات قد تكون أخطر من أي مواجهة ميدانية، لأنها تمس استقرارها الداخلي وصلابتها القتالية.