كشفت قناة "كان" العبرية أن إسرائيل فكرت خلال الأسابيع الماضية في استهداف قيادات حركة "حماس" المقيمين في تركيا، لكنها تراجعت عن ذلك مفضلة توجيه ضرباتها إلى قطر. القرار – وفق القناة – لم يكن بدافع أخلاقي، بل نتيجة حسابات سياسية واقتصادية معقدة، في مقدمتها عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وما قد يترتب على أي هجوم إسرائيلي على الأراضي التركية من تداعيات إقليمية ودولية.
هذه المعطيات تضع الصراع في بعد جديد، حيث تتجاوز التهديدات الإسرائيلية الحدود القطرية لتصل إلى تركيا، بما يحمله ذلك من احتمالات مواجهة مفتوحة، خاصة في ظل التطور العسكري المتسارع الذي تشهده أنقرة.
قيود الناتو وحسابات إسرائيل
انتماء تركيا إلى حلف الناتو جعل أي تفكير في ضرب أهداف على أراضيها محفوفًا بالمخاطر بالنسبة لإسرائيل.
فالهجوم على دولة عضو قد يستدعي تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف، التي تنص على أن أي اعتداء على دولة عضو يُعتبر اعتداءً على جميع الأعضاء.
هذا السيناريو كان كفيلًا بإشعال مواجهة دبلوماسية وربما عسكرية بين إسرائيل ودول الحلف، وعلى رأسها الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي الأول لتل أبيب.
لذلك، فضلت القيادة الإسرائيلية نقل عملياتها إلى قطر، التي لا تتمتع بذات المظلة الأمنية الغربية.
التهديدات تتجاوز قطر
رغم تركيز إسرائيل على قطر في الوقت الحالي، فإن دوائر صنع القرار في تل أبيب – بحسب محللين – لا تستبعد مستقبلاً استهداف قيادات فلسطينية في تركيا أو دول أخرى.
هذه التهديدات تضع أنقرة في قلب المواجهة غير المعلنة مع إسرائيل، خاصة أن الأخيرة تنظر بقلق إلى الدعم التركي للقضية الفلسطينية، واستضافة قيادات بارزة من "حماس".
كما أن العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، رغم فترات التقارب الاقتصادي، لم تصل إلى مستوى التحالف السياسي، بل تشهد توترات متكررة مع كل جولة تصعيد في غزة.
تركيا تستفيد من الحرب مع إيران
التطور الأبرز هو أن تركيا لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه التهديدات. فالحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران، وما تبعها من اختبارات لقدرات الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، دفعت أنقرة إلى تسريع برامجها العسكرية الخاصة.
تقارير إعلامية وعسكرية تحدثت عن استفادة تركيا من هذه الحرب عبر مراقبة التكتيكات والأنظمة الدفاعية، والعمل على تطوير قدراتها الهجومية، خصوصًا في مجال الصواريخ.
صواريخ فرط صوتية بالتعاون مع الصين وروسيا
في هذا السياق، تشير تقارير استراتيجية إلى أن أنقرة دخلت في تعاون وثيق مع كل من الصين وروسيا لتطوير صواريخ فرط صوتية، قادرة على تجاوز أنظمة الدفاع الجوي المتطورة، بما فيها القبة الحديدية الإسرائيلية.
هذه الصواريخ – حال دخولها الخدمة – ستشكل معادلة ردع جديدة في المنطقة، وتضع تركيا في مصاف القوى العسكرية المتقدمة تقنيًا.
التعاون مع موسكو وبكين لا يقتصر على الجانب الصاروخي، بل يمتد إلى أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة والطائرات المقاتلة، وهو ما يعزز استقلالية القرار العسكري التركي بعيدًا عن ضغوط الناتو والولايات المتحدة.
مواجهة محتملة مع إسرائيل
كل هذه التطورات تفتح الباب أمام احتمال مواجهة مباشرة أو غير مباشرة بين تركيا وإسرائيل في المستقبل.
ورغم أن تل أبيب قد تتجنب الصدام المباشر مع دولة عضو في الناتو، إلا أن استمرار استضافة أنقرة لقيادات فلسطينية قد يدفع إسرائيل إلى تنفيذ عمليات استخباراتية أو اغتيالات سرية داخل تركيا، كما فعلت في دول أخرى. في المقابل، قد تستغل تركيا أي عدوان إسرائيلي لتعزيز خطابها الإقليمي الداعم لفلسطين، وتأكيد دورها كقوة موازنة في الشرق الأوسط.
وأخيرا فتصريحات قناة "كان" العبرية عن التفكير في ضرب قيادات "حماس" بتركيا ثم التراجع خوفًا من تبعات عضوية الناتو تكشف حجم المأزق الذي تواجهه إسرائيل.
فبينما تسعى تل أبيب لتوسيع نطاق استهدافها خارج غزة وقطر، تقف أمامها قيود سياسية وعسكرية تفرضها خريطة التحالفات الدولية.
في الوقت ذاته، تستغل تركيا هذه التهديدات لتعزيز مكانتها العسكرية عبر التعاون مع روسيا والصين وتطوير قدرات ردع استراتيجية.
وفي ظل هذا المشهد، يبدو أن احتمالات المواجهة بين إسرائيل وتركيا لم تعد مجرد سيناريو خيالي، بل احتمال قائم قد يتحدد وفق مجريات الحرب على غزة ومسار التحالفات الدولية المقبلة.