تصريح رئيس شركة العاصمة الإدارية بأن “لدينا 8 آلاف أسرة حاجزين، وعدد 30 ألف ساكن هيسكنوا فيها” فجّر موجة غضب واسعة بين المصريين، بعدما كشف حجم الفجوة بين إنفاق الدولة المليارات على مشروع العاصمة الإدارية وبين العائد المحدود الذي لا يستفيد منه سوى عشرات الآلاف من الأسر، بينما يعيش أكثر من 100 مليون مواطن في أزمات متلاحقة.
فكيف يُبرَّر إنفاق يتجاوز 50 مليار دولار على مدينة لم يسكنها حتى الآن إلا بضعة آلاف، في حين أن الشعب هو من يدفع فواتير هذه الديون من قوته اليومي؟

هذه المفارقة جعلت الانتقادات تنهال على عبد الفتاح السيسي ومشروعه الأضخم، باعتباره رمزًا لإهدار المال العام وتغليب رفاهية السلطة على احتياجات المواطنين.
 

غضب الخبراء والنشطاء: "مدينة للفرح لا للشعب"
على مواقع التواصل الاجتماعي، تفاعل النشطاء بغضب مع تصريحات رئيس شركة العاصمة، معتبرين أن المشروع مجرد "فرح باهظ" للنخبة الحاكمة لا علاقة له بحياة الناس.

الناشطة رانيا الخطيب كتبت ساخرًة: “بيقول عندهم 8 آلاف أسرة حاجزين بعدد 30 الف ساكن هيسكنوا فيها يعني صرفنا اكتر من 50 مليار دولار عشان نعمل فرح ان كام الف هيسكنوا في العاصمة من 100 مليون !!! احنا بقى كمواطنين بندفع الديون استفدنا ايه ؟؟”.

 

وأشار خالد "يعني كل واحد تتكلف من دمنا ٢ مليون دولار يعني ١٠٠ مليون جنيه".

 

وسخرت كريستينا "بنحقق احلامهم يعني نسيبهم نفسيتهم تكتئب".

 

وأشار دكتور وكيل "٣٠ ألف ساكن يعني ٣ شوارع في شبرا مثلآ. كده محتاجين حوالي ١٠٠ سنة للوصول الي ٣ مليون ساكن. فيه مدن سابقة فشلت في جذب المواطنين للخروج من العاصمة وأعتقد العاصمة الإدارية تسير في نفس الطريق."

 

وأضاف الحسن "هذا لو صدقنا كذباتهم يعني اشارة مرور او فرح شعبي كبير في مصر يحضره ساكني العاصمة وكم مشروع مثلها اصحاب 150مليار دولاد قروض الذي يحلف السيسي بالطلاق انها من خارج الموازنه".

 

آخرون تساءلوا: إذا كان الشعب هو من يتحمل أقساط الديون الخارجية وفوائدها، فما نصيبه من هذه العاصمة غير اللافتات والإعلانات الرسمية؟

الخبراء بدورهم لم يترددوا في مهاجمة الفكرة من أساسها.

الدكتور جودة عبد الخالق، وزير التموين الأسبق، وصف العاصمة الإدارية بأنها "رمز للنهب والإهدار"، معتبرًا أن الأموال التي صُرفت عليها كان يمكن أن تنقذ قطاعات التعليم والصحة والإسكان الشعبي.

أما الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي فأكد أن التمويل الخارجي للمشروع زاد من عبء الديون على الدولة، وجعلها أكثر تبعية للمؤسسات المالية الدولية.
 

الديون تتضخم… والفقراء يدفعون الثمن
العاصمة الإدارية لم تُبنَ من فوائض أو أرباح، بل من قروض واستدانة داخلية وخارجية.
هذه القروض أضافت أعباء ضخمة على كاهل الاقتصاد المصري، الذي تجاوزت ديونه الخارجية أكثر من 165 مليار دولار.
ومع كل اقتراض جديد، ترتفع أسعار السلع والخدمات نتيجة التضخم المتسارع وتراجع قيمة الجنيه، وهو ما يعني أن المواطن الفقير هو من يسدد تكلفة مشاريع لا تعود عليه بأي فائدة مباشرة.

يؤكد الدكتور محمود وهبة، أستاذ الاقتصاد المقيم بالولايات المتحدة، أن العاصمة الإدارية "تمثل نموذجًا صارخًا لتحويل الدين إلى استثمار غير منتج"، مشيرًا إلى أن الإنفاق على مبانٍ إدارية فارهة لا يخلق تنمية حقيقية، بل يزيد البطالة والفقر.
ويضيف أن مصر اليوم تدفع مليارات الدولارات سنويًا كفوائد فقط، وهو ما يلتهم الموازنة العامة ويحرم الفقراء من أبسط الخدمات.
 

انعكاسات اجتماعية واقتصادية خطيرة
لم تتوقف آثار المشروع عند حدود المديونية، بل امتدت لتعمّق الفوارق الاجتماعية.
فبينما تُبنى القصور والمجمعات الفاخرة في العاصمة الجديدة، يعاني ملايين المصريين من انهيار الخدمات في مدارسهم ومستشفياتهم، وغلاء المعيشة الذي جعل اللحوم سلعة نادرة على موائد الطبقة الوسطى.

النشطاء يرون أن العاصمة الإدارية أصبحت "رمزًا لفصل السلطة عن الشعب"، حيث يعيش الحكام والمسؤولون في أبراج معزولة، بينما تُركت القاهرة القديمة وملايين المصريين لمصيرهم مع الزحام والفقر.

الدكتور عادل عامر، الباحث في الشؤون الاقتصادية، قال إن العاصمة لم تساهم في حل أزمة الإسكان أو البطالة، بل خلقت "جزيرة للأغنياء" وسط بحر من الفقراء.
ويضيف أن الأموال التي جرى ضخها في هذا المشروع لو وُجِّهت لتطوير القرى الفقيرة أو تحسين شبكات النقل والصرف الصحي لكانت النتائج أكثر جدوى وعدلًا.
 

السيسي في مرمى الانتقادات
لم يعد ممكنًا الحديث عن العاصمة الإدارية دون تحميل المسؤولية المباشرة لعبد الفتاح السيسي، الذي أصر على المشروع رغم التحذيرات.
ففي كل خطاب تقريبًا، كان السيسي يفاخر بما أسماه "إنجاز العاصمة"، بينما تجاهل الانهيار المستمر في مستويات المعيشة.

يرى كثير من الخبراء أن المشروع كان وسيلة لصناعة شرعية بديلة، حيث يُعرض كرمز للتحديث والتقدم، بينما حقيقته أنه "مقبرة للأموال" ووسيلة لزيادة ارتباط مصر بالديون.

الدكتور جودة عبد الخالق علّق ساخرًا: “مصر ليست فقيرة، لكنها منهوبة. والعاصمة الإدارية هي أحد شواهد هذا النهب”.
هذه العبارة لخصت إحساس ملايين المصريين الذين يرون أن المشروع لم يكن أولوية شعبية بل أداة سياسية لتثبيت حكم السيسي وإرضاء شبكات مصالح محلية ودولية.
 

مشروع للنخبة… وعبء على الأمة
في النهاية، تكشف تصريحات رئيس شركة العاصمة الإدارية عن الحقيقة المرة: مدينة مليارية لم يسكنها إلا عشرات الآلاف، بينما يدفع ملايين المصريين ثمنها من فقرهم وديونهم.

العاصمة ليست حلًا لأزمات مصر، بل أحد أسباب تعميقها.
إنها تجسيد لسياسة السيسي القائمة على إنهاك المواطن، واستنزاف موارده، وضمان بقاء النظام في "جزيرة معزولة" بعيدًا عن آلام الشعب.

وبينما ينشغل النظام في بناء أسوار فاخرة لمدينته الجديدة، يظل المصريون يسألون: "وماذا استفدنا نحن؟".