في ربيع 2025 تحوّلت شركة الشرقية للدخان أحد أعرق الأسماء الصناعية في مصر وشركة جزئيًا مملوكة للدولة من كيان اقتصادي إلى قضية رأي عام بعد تصاعد اتهامات تُحمّل إدارة الشركة ومسؤولين خارجيين مسؤولية إجبار عمال مساهمين على التخارج وبيع حصتهم إلى مشترٍ مجهول بواسطة وسيط (إي.إف.جي هيرميس)، مع ما تلاه من إجراءات تأديبية فصلية بحق من اعترضوا.
الرواية الرسمية ضبابية، وروايات العمال ومحاموهم وصحافة الاستقصاء تقول إن ما حدث ليس عملية بيع عادية بل عملية تجريد لحقوق مساهمين عُرضت بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية.
متى وكيف بدأت الأزمة؟
الأزمة تصاعدت منذ الجمعية العامة لاتحاد العاملين المساهمين التي عُقدت في 21 فبراير 2025، حيث رفض العمال عرضاً وحيداً من شركة «إي إف جي هيرميس» لترويج وبيع أسهم اتحاد العاملين نيابة عن مستثمر مجهول، ما أدّى إلى إلغاء الجمعية، فوضى وتنظيم سيئ بحسب شهود الحضور.
بعد أيام من الرفض بدأت إجراءات عقابية: قرار منع ستة عمال من دخول مقر العمل وتعليق حوافز 19 عاملاً لستة أشهر، وفق تحقيقات مدى مصر وتقارير حقوقية منشورة في مايو 2025.
بعدها، في 22 مايو 2025 أعلنت البورصة تنفيذ صفقة كبيرة على أسهم الشرقية بقيمة 4.79 مليار جنيه (147.04 مليون سهم) ما أثار تساؤلات حول الشفافية ومطابقة تلك الصفقات لحقوق مالكي الأسهم من العمال.
روايات العمال ووقائع الانتهاكات
عدد من العمال الممنوعين تحدثوا شفهياً مع صحافيين ومنظمات حقوقية عن قرارات تعسفية صدرت دون إخطار كتابي: منع من الدخول، وقف علاجات طبية وخدمات تأمين لمصابين، وإشعارات فصل نقلت بالهاتف وليس برسائل رسمية.
البعض أعلن استغاثته، وآخرون حمّلوا ممثّلي المستثمر الخليج (ذُكر اسم ممثل شركة Global Investment هاني أمان في تقارير محلية) مسؤولية إجراءات العقاب، وهو ما يهدف بحسب العمال إلى ترويع المعترضين وإجبارهم على البيع.
شهادات هؤلاء العمال نشرتها منظمات محلية وصحف تحقيقية، ودفعت منظمات حقوقية مثل «اللجنة من أجل العدالة» إلى إصدار بيانات تنديد.
من المستفيد؟ وساطة مصرفية أم تفريغ لملكية العمال؟
الطرف الوسيط الذي ظهر في المشهد هو «إي إف جي هيرميس» بصفتها وكيلًا لعرض بيع حصص اتحاد العاملين لمستثمر لم يُكشف عنه.
العمال وناقدون اقتصاديون يشيرون إلى أن هناك تضارب مصالح محتملاً: هل تُستغل آلية «صفقات الحجم الكبير» وعمليات التخارج لتمرير حصص بسعر مخفّض لمستثمرين خارجيين على حساب حقوق مالكين صغار؟ وطالب نواب في البرلمان بتحقيقات رسمية، مؤكدين أن رفض العمال منطقي إن لم تُجر دراسات تقييم عادلة قبل عرض البيع.
الأرقام التي تُحرّك الشكوك
صفقة البلوك ترايد (Block trade) المنفذة في 22 مايو 2025 بقيمة 4.79 مليار جنيه (147.04 مليون سهم) تُظهر أن هناك حركة مالية كبيرة حول أسهم الشركة، وهو ما يجعل سؤال السعر العادل أمراً مركزياً.
تقديرات نشطاء ومحللين حقوقيين ذكروا أن القيمة الحقيقية للشركة أعلى من العرض الواحد الذي وُجّه للعمال، وأن أي صفقة «تخارجية» يجب أن ترافقها دراسات تقييم مستقلة وشفافة.
غياب الحماية
الوقائع كشفت أيضاً فراغ حماية فعّالة لحقوق العمال المساهمين: تقارير عديدة طالبت هيئة الرقابة المالية ووزارة القوى العاملة بالتدخل للتحقيق في مدى مطابقة الصفقة للقوانين (منها ضوابط التقييم وشطب الأسهم) بينما يرى مراقبون أن الشبكات السياسية والاقتصادية التي دفعت لاستقدام مستثمرين خليجيين تطغى على حماية الحقوق الصغيرة داخل مؤسسات حكومية وشبه حكومية.
النائب منصور (اسمه وارد في بيانات برلمانية) صرّح بأن إجراءات العقاب تخرق قرارات الرقابة وتضع علامات استفهام على التقييم.
التوصيات الصحفية
هذه الحكاية أكثر من نزاع إداري؛ هي نموذج لآلية يُعاد بها توزيع الملكية في شركات استراتيجية على حساب العمال المساهمين في ظل غياب الشفافية والضوابط الفعالة، فما حدث في الشرقية للدخان ينسجم مع نمط أوسع من سياسات الخصخصة الجزئية وإدخال مستثمرين خارجيين عبر صفقات لا تروى للعامة بالكامل، بينما يدفع ثمنها المسَكَّنون في قواعد العمال.
المطلوب الآن؛ تحقيق مستقل من هيئة الرقابة المالية، نشر تقارير تقييم أسعار الأسهم علناً، رفع الحظر عن دخول العمال وتمكينهم من الحق القانوني في استئناف القرارات التأديبية، وكشف هوية المستثمر وصافي العلاقة مع الشركات الوسيطة.