أصدرت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة قرارًا جديدًا يقضي برفع أسعار شحن السيارات الكهربائية في المحطات التجارية، مع ربطها بتكلفة التوريد مباشرة، دون تحديد سعر ثابت، إضافة إلى تطبيق أي زيادات مستقبلية بشكل تلقائي. هذا القرار الذي جاء في وقت يعاني فيه المواطن المصري من ارتفاع متواصل في أسعار الطاقة والوقود والسلع الأساسية، أثار جدلاً واسعًا واعتبره خبراء ومستهلكون خطوة جديدة على طريق إثقال كاهل الشعب وضرب قطاع السيارات الكهربائية في بدايته.

 

ضربة للثقة في التحول الأخضر

يأتي القرار بينما تحاول حكومة السيسي الترويج لمشاريعها في مجال الطاقة النظيفة والتحول نحو السيارات الكهربائية كخيار صديق للبيئة ومواكب للعصر. لكن رفع أسعار الشحن بشكل غير منضبط ودون وضع سقف واضح، يضع علامات استفهام حول جدية الدولة في تشجيع هذا التحول. فالمستهلك الذي أقبل على شراء سيارة كهربائية بدافع خفض التكلفة على المدى البعيد، يجد نفسه اليوم أمام فاتورة مفتوحة مرشحة للارتفاع مع كل زيادة جديدة في أسعار الكهرباء.

عدد من خبراء الطاقة أشاروا إلى أن القرار سيؤدي إلى تراجع الإقبال على السيارات الكهربائية في مصر، التي لم تتجاوز نسب انتشارها بضعة آلاف من المركبات. والسبب أن أهم عنصر جذب لها – وهو توفير التكلفة مقارنة بالوقود التقليدي – يتآكل مع هذه الزيادات العشوائية.

 

غضب المستهلكين ومخاوف المستثمرين

الغضب لم يقتصر على المستهلكين فقط، بل امتد إلى مستثمري قطاع محطات الشحن الكهربائية. هؤلاء أكدوا أن القرار يربك خططهم الاستثمارية ويهدد بوقف التوسع في إنشاء محطات جديدة، خاصة وأن الربط المباشر بتكلفة التوريد يجعل الأسعار غير مستقرة، ما يعني غياب أي ضمانات للمستهلك أو المستثمر على حد سواء.

مواطنون أعربوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن استيائهم، معتبرين أن الحكومة لا تفوت فرصة لفرض المزيد من الأعباء المالية عليهم. أحد النشطاء كتب: "بدل ما نشجع على سيارات نظيفة ونواكب العالم، الحكومة بتحول الشحن الكهربائي لعبء جديد زي البنزين والغاز".

 

فشل في إدارة ملف الطاقة

هذا القرار يعكس – برأي خبراء اقتصاديين – حالة التخبط التي يعيشها النظام في إدارة ملف الطاقة. فمنذ سنوات، تعهدت الحكومة بأن الاستثمار في السيارات الكهربائية سيكون مدعومًا ويصب في مصلحة المواطن، لكن الواقع أن السياسات تتغير بشكل مفاجئ وتناقض الشعارات الرسمية.

د. حسام عبد القادر، خبير اقتصاد الطاقة اعتبر أن القرار الأخير "يمثل دليلاً جديدًا على أن الحكومة لا تفكر إلا في سد العجز المالي من جيوب المواطنين، حتى لو كان الثمن تدمير قطاعات واعدة".

وأضاف أن رفع أسعار الشحن "سيجعل مصر متأخرة عن الركب العالمي في التحول الأخضر، بل وقد يؤدي إلى توقف الشركات عن الاستثمار في السوق المحلي".

وتابع أن "رفع الأسعار بهذا الشكل يهدد الجاذبية الأساسية للسيارات الكهربائية، وهي كلفة التشغيل المنخفضة نسبيًا. دون توضيح سقف سعري مضمون، يتحوّل القرار إلى عبء مالي جديد فوق تكلفة الشراء".

 

المواطن يدفع الثمن دائمًا

في النهاية، يظهر أن المواطن المصري – كعادته – هو الخاسر الأكبر من سياسات الحكومة. فمن جهة، ارتفعت أسعار الوقود التقليدي مرات عديدة في السنوات الأخيرة، ومن جهة أخرى، السيارات الكهربائية التي كان يُنظر إليها كخلاص من هذا العبء، أصبحت هي الأخرى تحت رحمة زيادات لا سقف لها.

الأمر لم يعد يتعلق فقط بالقدرة على امتلاك سيارة كهربائية أو شحنها، بل بغياب رؤية اقتصادية متكاملة. الحكومة ترفع الأسعار بحجة "التكلفة"، بينما تغيب الشفافية في عرض هذه التكلفة الحقيقية، وتغيب أيضًا أي حماية للمستهلك.

في ظل هذه السياسات، فإن هذا القرار ليس مجرد تعديل سعري، بل انعكاس لفلسفة تُحكم جزئيًا من منطق حصاد الإيرادات السريع على حساب تشجيع التحول العصري والبيئي.

المواطن، خصوصًا من يخطط لشراء سيارة كهربائية، لا يجد متنفس أمل، بل عبئًا إضافيًا دُفع إلى سجله المالي. وغياب التصريحات الحقيقية — سواء إيجابية أو ناقدة — يكشف عن أزمة ثقة بين الدولة والمجتمع المدني، وهي أزمة لا يداويها سوى شفافية سعرية فعليّة وتواصل علني يهيّئ الناس لمعادلات جديدة لا تخنقهم.