في السادس من سبتمبر، ستمر على المصريين ذكرى أليمة ارتبطت بسد النهضة الإثيوبي، المشروع الذي تحوّل إلى كابوس قومي يهدّد الأمن المائي ويقوّض الحق التاريخي لمصر في مياه النيل.
ففي حين يحيي الإثيوبيون هذا اليوم كرمز "للانتصار الوطني" ونجاحهم في فرض أمر واقع جديد على مجرى النهر، يعيش المصريون إحباطًا عميقًا، إذ لم تفلح كل سنوات التفاوض والتهديدات في منع أديس أبابا من المضي قدمًا في مشروعها الذي صار أمرًا واقعًا لا رجعة فيه.
آبي أحمد يتباهى بالمكاسب
رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لم يُخفِ نشوة الانتصار. ففي تصريحات رسمية متلفزة، قال إن سد النهضة أصبح يدرّ على بلاده مليار دولار سنويًا من مبيعات الكهرباء للدول المجاورة، بينها السودان وجيبوتي وكينيا، مع خطط لزيادة الربط الكهربائي مع تنزانيا وجنوب السودان.
التباهي الإثيوبي لا يتعلق فقط بالعائد المالي، بل يتجاوز ذلك ليُقدّم السد كرمز "للنهضة الوطنية" والقدرة على تحدي الضغوط الخارجية، وكسلاح سياسي يرفع مكانة إثيوبيا إقليميًا. آبي أحمد لم ينسَ الإشارة إلى أن السد وفّر لإثيوبيا استقلالًا اقتصاديًا، ورسّخ صورتها كقوة صاعدة في القرن الإفريقي.
خيبة السيسي.. وذكريات يوم الفشل
في المقابل، سيمرّ يوم 6 سبتمبر على السيسي بوصفه شاهدًا على العجز الرسمي. إذ تذكّر وسائل الإعلام البديلة والمعارضة أن هذا التاريخ ارتبط بمرحلة حاسمة في تشغيل السد، حين تجاهلت أديس أبابا كل نداءات السيسي للتنسيق أو الاتفاق الملزم، وأعلنت بدء التوليد الفعلي للكهرباء.
بالنسبة للسيسي، يمثل هذا اليوم لحظة "انكسار"، تكشّف فيها ضعف موقفه التفاوضي ، وتراجع قدرة نظام هعلى حماية شريان الحياة المتمثل في نهر النيل. فبينما كانت إثيوبيا تحتفل، كان المصريون يتداولون مخاوفهم من العطش القادم ومن آثار تراجع حصة مصر المائية، التي يعتمد عليها أكثر من 100 مليون إنسان.
مصر بين التهديدات والواقع المرير
منذ بدء المشروع في 2011، توالت التصريحات الرسمية المصرية التي تعهّدت بالحفاظ على "كل قطرة من مياه النيل".
غير أن السنوات اللاحقة أظهرت أن القاهرة اكتفت بالمناشدات الدبلوماسية والرهان على الوساطات، دون أن تمتلك أدوات ضغط حقيقية توقف المشروع.
حتى التهديدات التي لوّح بها المسؤولون، بما فيها التصريحات عن "خطوط حمراء"، ذهبت أدراج الرياح.
اليوم، وبعد أن أصبح السد واقعًا ينتج كهرباء ويحقق أرباحًا، يجد المصريون أنفسهم أمام حقيقة أن النظام أخفق في ملف وُصف بأنه قضية حياة أو موت.
خبراء المياه والري يؤكدون أن المشكلة لا تقتصر على الكهرباء التي يبيعها السد، بل على آثاره طويلة المدى على الأمن المائي المصري.
فمع كل عملية ملء جديدة، ينخفض منسوب بحيرة ناصر خلف السد العالي، ويزداد الضغط على الموارد المحدودة.
في ظل النمو السكاني المتسارع، وارتفاع الطلب على المياه في الزراعة والصناعة، يصبح خطر العجز المائي أكثر حدة.
الأدهى أن إثيوبيا، وقد ضمنت تشغيل سدها وتحقيق مكاسب مالية، لم تعد ترى ضرورة للتوصل إلى اتفاق ملزم يضمن حصة مصر التاريخية، ما يعني أن الأزمة مرشحة للتفاقم.
رواية رسمية متناقضة
المفارقة أن الإعلام الرسمي في مصر يواصل الحديث عن "إنجازات" الحكومة في إدارة الملف، والتركيز على مشروعات تحلية المياه ومعالجة الصرف كحلول بديلة.
غير أن هذه الخطابات لا تجد صدى لدى الشارع، الذي يرى في سد النهضة عنوانًا للهزيمة الدبلوماسية والإستراتيجية.
في المقابل، تواصل إثيوبيا الاحتفاء بمكاسبها، وتصدير صورة السد كمشروع قومي عابر للأجيال، محققة هدفًا مزدوجًا: كسب الداخل الإثيوبي عبر خطاب الانتصار، وتعزيز نفوذها الإقليمي عبر تصدير الكهرباء.
هكذا، بين مليار دولار تتباهى بها أديس أبابا، وذكرى حزينة يحييها المصريون بسبب ضعف وخيانة السيسي كل عام في السادس من سبتمبر، تتجسد الفجوة بين طموح إثيوبي جامح وعجز مصري متزايد.
السد الذي صار مصدر فخر لإثيوبيا، أصبح رمزًا لخيبة السيسي وسلطته التي عجزت عن حماية حقهم المائي.
وبينما تواصل إثيوبيا المضي قدمًا، يبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن لمصر أن تتحمّل نتائج هذه الخسارة الإستراتيجية، وما الثمن الذي سيدفعه المواطن البسيط في السنوات القادمة؟