في واقعة صادمة تكشف عن عمق الأزمة الصحية في مصر، تعرضت الإعلامية المعروفة عبير الأباصيري لحادثة مهينة بعدما جرى احتجازها بقسم الطوارئ بمستشفى الهرم التخصصي لعدة ساعات، بسبب مطالبتها بدفع فاتورة علاجية قدرها 1400 جنيه فقط وهو مبلغ زهيد إذا ما قورن بالمعاناة الإنسانية التي تعرضت لها وبما تحمله القصة من دلالات عن هشاشة النظام الصحي والغياب الصارخ للعدالة الاجتماعية، ، قبل أن تلقى حتفها وتموت متأثرة بتأخر علاجها.
تفاصيل القصة
بحسب شهود عيان ومقربين من الإعلامية، فإن الأباصيري دخلت المستشفى لتلقي العلاج بعد تعرضها لوعكة صحية مفاجئة، لكنها فوجئت بإدارة المستشفى ترفض العلاج قبل دفع المبلغ المطلوب كاملًا.
ورغم محاولاتها إقناع الإدارة بترحيل السداد أو تسويته لاحقًا، أو السماح لها بالعلاج في مستشفى آخر لكن الإدارة أصرت على عدم استكمال علاجها، وعدم مغادرتها المستشفى في مشهد وصفه البعض بأنه لا يليق بإنسانة عادية فما بالك بإعلامية معروفة.
ما زاد من حدة الغضب أن المبلغ لم يكن ضخمًا، بل يعادل ما ينفقه كثير من المسؤولين في ساعة واحدة على موائد الطعام أو رحلات الترفيه.
ومع ذلك، رأت إدارة المستشفى أن حياة الإنسان وكرامته يمكن أن تُختزل في ورقة مالية، لتتحول المستشفيات من مؤسسات علاجية إلى ما يشبه "سجونًا مصغرة" للمرضى غير القادرين.
ردود الفعل الغاضبة
أثارت الواقعة عاصفة من الغضب على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر كثير من الإعلاميين والحقوقيين عن غضبهم مما حدث مع الأباصيري.
بعضهم اعتبر ما جرى "جريمة مكتملة الأركان تستوجب تدخل النيابة العامة"، فيما أشار آخرون إلى أن القضية ليست حادثًا فرديًا، بل هي انعكاس لواقع متكرر يعاني منه مئات المواطنين يوميًا في مستشفيات مصر، حيث يتم احتجاز المرضى أو ذويهم رهائن مقابل الفواتير.
الصحفي أنور الهواري علّق ساخرًا بأن ما حدث "يجعل من المستشفى أشبه بمؤسسة عقابية أكثر منها علاجية"، فيما كتب أحد النشطاء: "إذا كان هذا يحدث مع إعلامية معروفة، فما بالنا بالمواطنين البسطاء الذين لا يملك أحد أن يسمع صرخاتهم؟".
تحرك متأخر
وحفظا لماء الوجه أصدرت وزارة الصحة بيانًا أنه وبناء على التحقيق في الواقعة، اتضح أن المريضة وصلت إلى قسم والطوارئ بمستشفى الهرم التخصصي في 27 أغسطس 2025، وكانت تعاني من اضطراب في الوعي، نقص في نسبة الأكسجين، وهبوط حاد في الدورة الدموية، وفور وصولها، تم وضعها على جهاز الأكسجين، وأجريت لها الفحوصات الطبية اللازمة، بما في ذلك أشعة مقطعية على المخ والصدر، والتي أظهرت عدم وجود جلطة بالمخ، كما تم وضعها على جهاز ضغط مجرى الهواء الإيجابي (CPAP) لدعم التنفس، ومع استمرار تدهور حالتها، تم نقلها إلى جهاز تنفس صناعي مع إعطائها أدوية داعمة للدورة الدموية، لكن الحقيقة أن تأخر علاجها هو من تسبب في تدهور حالتها.
ومضى البيان كذبه مدعيا أنه حول الادعاءات المتعلقة بالمطالبات المالية، تؤكد الوزارة أن جميع الخدمات الطبية المقدمة للمريضة كانت مجانية بالكامل، كونها حالة طارئة، ولم يتم تحصيل أي رسوم مقابل الخدمات الطبية، وفيما يتعلق بمبلغ الـ 1400 جنيه، فهي قيمة أفلام الأشعة التي طلب مرافق المريضة اخذها واختار السيد المرافق، تصويرها بدلاً من طباعتها، وبالتالي لم يتم دفع أي مبالغ مالية، والحقيقة أن المستشفيات الخاصة لا توجد بها حالات طارئة مجانية ولكن هذا صحيح لذهب ملايين الفقراء نحو المستشفيات الخاصة.
الأزمة الصحية مشكلة مزمنة
الحادثة أعادت إلى الواجهة النقاش حول خصخصة القطاع الصحي وتغوّل المستشفيات الخاصة على حساب حق المواطن في العلاج. فالدستور المصري ينص صراحة على أن "الصحة حق لكل مواطن"، غير أن الواقع يكشف عن انهيار المنظومة العامة، الأمر الذي يدفع ملايين المصريين نحو القطاع الخاص، حيث تتحكم المصالح التجارية في أرواح الناس.
وبحسب تقارير طبية، فإن أكثر من 60% من الإنفاق الصحي في مصر يأتي من جيوب المواطنين مباشرة، في ظل ضعف ميزانية الصحة التي لم تتجاوز في بعض السنوات نسبة 1.5% من الناتج المحلي، أي أقل بكثير من النسبة الدستورية المقررة وهي 3% على الأقل. هذه الأرقام تفسر لماذا يجد المرضى أنفسهم أسرى لدى المستشفيات الخاصة عند عجزهم عن السداد.
الرؤية القانونية والحقوقية
قانونيًا، ما فعلته إدارة المستشفى يمثل مخالفة صريحة، إذ لا يجيز القانون المصري احتجاز المرضى بسبب الديون، بل يفرض على المستشفيات تقديم العلاج العاجل ثم اللجوء للقنوات القانونية لتحصيل المستحقات لاحقًا. ويؤكد خبراء حقوق الإنسان أن "احتجاز المريض يعادل جريمة حجز حرية"، وهي جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس والغرامة.
المحامي الحقوقي خالد علي شدد في تصريح متداول قبل وفاتها أن النيابة العامة مطالبة بالتحرك السريع ضد إدارة المستشفى، ليس فقط لإنصاف الأباصيري، بل أيضًا لوقف هذه الممارسات التي تحولت إلى سياسة ممنهجة في العديد من المستشفيات الخاصة.
وأخيرا فحادثة الإعلامية عبير الأباصيري لم تكن مجرد قصة شخصية، بل هي جرس إنذار مدوٍّ يكشف فساد المنظومة الصحية وسيطرة منطق الربح على حساب الإنسان. فإذا كانت إعلامية معروفة قد عانت هذا المصير بسبب 1400 جنيه، فما الذي يحدث يوميًا للفقراء والمهمشين الذين لا يجدون ثمن الدواء أو العلاج؟
الواقعة تستحق تحقيقًا عاجلًا من النيابة العامة، ومساءلة واضحة لإدارة المستشفى، بل وإعادة النظر جذريًا في سياسات الصحة بمصر. فكرامة المواطن لا يجب أن تُباع وتشترى في فواتير، وحقه في العلاج ليس منّة من أحد، بل التزام دستوري وأخلاقي لا يجوز التفريط فيه.