في فضيحة جديدة تكشف حجم الفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة، أقدمت هيئة المجتمعات العمرانية برئاسة حكومة مصطفى مدبولي على سحب 170 فدانًا مملوكة لنادي الزمالك في مدينة 6 أكتوبر، في خطوة أثارت غضب الجماهير والشارع الرياضي، بعدما تبين أن الهدف الحقيقي هو بيع هذه الأراضي للإمارات أو تسليمها لجهات تابعة للجيش تحت إشراف كامل الوزير، أحد أبرز أذرع النظام الاقتصادية، بحسب ما صرح به مسئول من داخل الحكومة.
خلفية الفضيحة: عقد مُلغى واتفاق مشبوه
الأرض التي جرى الاستيلاء عليها ليست مجرد مساحة مهجورة، بل تمثل حلمًا لجماهير الزمالك منذ سنوات لإقامة فرع ضخم ومجمع رياضي يليق بتاريخ النادي العريق. النادي حصل على الأرض رسميًا في عهد سابق، وبدأت بالفعل بعض الخطوات التخطيطية. لكن فجأة، ظهرت هيئة المجتمعات العمرانية لتعلن أن الزمالك تأخر في سداد مستحقات، وأن الأرض ستُسحب “لصالح الدولة”، وهي الحجة التي تتكرر دائمًا عندما تريد الحكومة تمرير صفقاتها المشبوهة.
مصادر مطلعة أكدت أن الأرض لم تُسحب لصالح المصلحة العامة كما تزعم الحكومة، بل لإعادة بيعها بأسعار فلكية لمستثمرين إماراتيين، ضمن موجة بيع أصول الدولة وتسليم ثرواتها للأجانب والجهات السيادية، في ظل أزمة مالية خانقة نتيجة فشل السياسات الاقتصادية واعتماد السلطة على الاقتراض.
قيمة الأرض وأرباح الصفقة
وفقًا لتقديرات خبراء السوق العقاري، فإن سعر المتر في تلك المنطقة يتراوح بين 15 و20 ألف جنيه مصري (أي ما يعادل 500 – 650 دولارًا للمتر الواحد). وباحتساب متوسط 17 ألف جنيه للمتر، فإن قيمة الأرض البالغة 170 فدانًا (ما يعادل 714 ألف متر) تصل إلى 12 مليار جنيه مصري تقريبًا، أي نحو 390 مليون دولار أمريكي.
إذا بيعت الأرض لمستثمرين إماراتيين أو لجهات تابعة للجيش، فإن الأرباح التي يمكن أن تجنيها الشركات الوسيطة التابعة للنظام قد تصل إلى 3 – 4 مليارات جنيه كهوامش ربح فورية، بخلاف المكاسب المستقبلية من تحويل الأرض إلى مشروعات عقارية ضخمة، قد تدر مليارات الدولارات على الشركات المستحوذة. كل ذلك يحدث في وقت تعاني فيه الأندية والجماهير من أزمات مالية خانقة، بينما يتم تبديد الأصول العامة لصالح حفنة من الفاسدين.
التغطية على الفضيحة: أرض بديلة في التجمع الخامس
لإسكات إدارة الزمالك وامتصاص غضب الجماهير، لجأ النظام إلى خدعة جديدة بإعلان تخصيص أرض بديلة في التجمع الخامس للنادي، في محاولة لتضليل الرأي العام وإظهار أن الحكومة لم تحرم النادي من حقه. لكن الحقيقة أن الأرض الجديدة أصغر، وأقل قيمة استثمارية، وتفتقر للبنية التحتية المناسبة، ما يجعل الأمر مجرد صفقة تبادل خاسرة لنادي الزمالك.
من المستفيد؟.. شبكة مصالح تتحكم في أراضي الدولة
فضيحة الزمالك ليست حادثة فردية، بل تأتي في إطار مخطط متكامل لتحويل أراضي مصر إلى سلعة في يد السلطة. كل شيء يتم تحت شعار “جذب الاستثمارات”، بينما المستفيد الحقيقي هم رجال الأعمال المقربون من النظام، والجهات السيادية التي توسعت في الاستثمار العقاري بشكل جنوني خلال السنوات الماضية.
اسم كامل الوزير برز في هذه الفضيحة، باعتباره أحد أهم المسؤولين عن إدارة المشاريع القومية وشبكة الأراضي التي تدر مليارات. كل المؤشرات تؤكد أن جزءًا من الأراضي المستحوذ عليها سينتقل في النهاية إلى شركات تابعة للجيش أو شركاء أجانب، لتصبح الفضيحة حلقة جديدة في مسلسل نهب ثروات الشعب تحت غطاء “التنمية”.
تواطؤ الحكومة: مدبولي في قلب العاصفة
حكومة مصطفى مدبولي، التي ترفع شعار “التخطيط العمراني”، أصبحت أداة رئيسية في عمليات الاستيلاء على الأراضي وتحويلها إلى مصدر دخل سريع للنظام لسد عجز الموازنة وسداد فوائد الديون. القرار بسحب أرض الزمالك لم يكن إداريًا، بل سياسيًا، وجاء بترتيب على أعلى مستوى. هذا يطرح تساؤلات خطيرة: هل تحولت هيئة المجتمعات العمرانية إلى مكتب سمسرة لخدمة النظام وشركائه؟
الأبعاد الاقتصادية والسياسية للكارثة
ما حدث يعكس فشل النظام في إدارة ملف الأصول العامة. بدلاً من استغلال الأراضي لصالح المجتمع، يتم بيعها لسد العجز المالي الناتج عن الاقتراض المفرط وفشل المشروعات العملاقة مثل العاصمة الإدارية التي ابتلعت مئات المليارات دون جدوى اقتصادية حقيقية. وفي الوقت نفسه، يتم سحق الأندية الجماهيرية والمؤسسات المدنية لصالح المستثمرين المقربين من السلطة.
الغضب الشعبي يتصاعد.. لكن من يحاسب؟
جماهير الزمالك عبرت عن غضبها على مواقع التواصل، واعتبرت ما حدث سرقة علنية لحق النادي، فيما التزمت وسائل الإعلام الموالية للنظام الصمت أو الترويج للرواية الرسمية التي تزعم أن الحكومة “تدعم الأندية”. لكن السؤال الجوهري يبقى: من يحاسب لصوص الأرض؟ وهل سيقف المصريون مكتوفي الأيدي أمام استمرار نهب ممتلكاتهم باسم الاستثمار؟
الخلاصة: نظام يبيع كل شيء
فضيحة أرض الزمالك تكشف حقيقة مريرة: نحن أمام نظام لا يرى في الدولة سوى كعكة للتقسيم بين الحلفاء والأجانب. اليوم أرض نادٍ جماهيري، وغدًا شركات استراتيجية، وبعد غد ربما مياه النيل نفسها. كل شيء قابل للبيع طالما أن الهدف إنقاذ نظام غارق في الفشل والديون.