كشفت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن مقترح مثير للجدل يتم تداوله في أروقة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وبعض الشركاء الدوليين، يقضي بإنشاء ما يسمى بـ "ريفييرا الشرق الأوسط" على أنقاض قطاع غزة، كجزء من خطة أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الجغرافي والسياسي في المنطقة لصالح المشاريع الأمريكية والإسرائيلية.
 

تفاصيل المقترح: أموال مقابل التهجير
وفق التقرير، الخطة تتضمن عرض 5 آلاف دولار لكل فلسطيني يوافق على مغادرة القطاع بشكل دائم، على أن يتم توطينهم في دول أخرى، مقابل تحويل غزة إلى وجهة سياحية واستثمارية ضخمة تحت سيطرة شركات أمريكية وخليجية. هذه الفكرة، التي تبدو أقرب إلى إعادة إنتاج مشروع "صفقة القرن"، تهدف بحسب الصحيفة إلى إلغاء الوجود الفلسطيني في غزة وتحويلها إلى منطقة خالية من السكان الأصليين.
 

أبعاد المقترح وخطورته
هذا الطرح لا يمكن النظر إليه بمعزل عن المحاولات المستمرة لفرض واقع جديد في غزة بعد الحرب المدمرة التي أودت بحياة أكثر من 40 ألف فلسطيني وأدت إلى تدمير البنية التحتية بالكامل. أخطر ما في المقترح:

تهجير قسري مقنع تحت غطاء التعويض المالي، بما يشكل جريمة ضد الإنسانية وفق القانون الدولي.

تصفية القضية الفلسطينية عبر اقتلاع سكان غزة وتذويبهم في دول اللجوء.

تمكين الاحتلال الإسرائيلي من السيطرة الكاملة على الساحل الفلسطيني واستغلاله في مشاريع اقتصادية وأمنية.

اللافت أن هذه الفكرة تأتي متزامنة مع تحركات أمريكية خليجية لدراسة مشاريع إعادة الإعمار بتمويل ضخم، لكنها مشروطة بما يسمى "الترتيبات الأمنية"، وهو ما يثير تساؤلات حول ارتباط التمويل بشروط سياسية تتعلق بإفراغ غزة من سكانها.
 

الموقف المصري: رفض علني ومخاوف من القبول الضمني
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، تكرر الحديث عن خطة تهجير واسعة النطاق للفلسطينيين إلى سيناء.

عبد الفتاح السيسي أعلن مرارًا رفضه القاطع لـ"أي مخطط لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأراضي المصرية"، مؤكداً أن "سيناء ليست للحلول المؤقتة".

لكن تقارير استخباراتية وتسريبات إعلامية أثارت الجدل حول وجود ضغوط أمريكية وإسرائيلية على القاهرة لفتح الباب أمام تهجير سكان غزة إلى مناطق شمال سيناء، مقابل مساعدات اقتصادية ضخمة وحزم استثمارية.

خبراء يرون أن الموقف المصري لم يكن بالمستوى المطلوب من الحسم، وأن تصريحات السيسي، رغم قوتها في العلن، لا تلغي احتمال وجود تفاهمات سرية أو استعدادات لسيناريوهات اضطرارية إذا استمرت الحرب وتدهورت الأوضاع الإنسانية.
 

خلفية تاريخية: التهجير... الفكرة القديمة الجديدة
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها طرح مشاريع تهجير الفلسطينيين مقابل تعويضات مالية:

  • في الخمسينيات والستينيات، طرحت إسرائيل خططًا لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في دول عربية، لكنها قوبلت برفض واسع.
  • في صفقة القرن (2020) التي تبناها ترامب، تضمنت الخطة بنودًا لخلق كيان فلسطيني ضعيف اقتصاديًا وسياسيًا، مقابل إغراءات مالية ضخمة.

اليوم، يعود السيناريو نفسه بوجه أكثر وقاحة، مستغلًا حالة الدمار الشامل في غزة والكارثة الإنسانية التي تعصف بمليوني فلسطيني.
 

ردود الفعل: صمت رسمي ورفض شعبي
حتى الآن، لم يصدر أي تعليق رسمي من الإدارة الأمريكية الحالية حول ما كشفته الصحيفة، لكن مراقبين يحذرون من أن إعادة طرح مثل هذه الأفكار قد تكون بالون اختبار لقياس ردود الأفعال. في المقابل، الفصائل الفلسطينية اعتبرت أن هذه الخطة تمثل "إبادة سياسية وجغرافية للشعب الفلسطيني"، فيما حذرت منظمات حقوقية من أن أي محاولة لتهجير السكان ستكون جريمة حرب جديدة تضاف إلى سجل الاحتلال وحلفائه.
 

من إعادة الإعمار إلى إعادة التوطين
بينما تنتظر غزة مشاريع لإعادة إعمارها وإنقاذ سكانها من المجاعة، تنكشف خطط لتحويلها إلى منطقة سياحية فاخرة بلا فلسطينيين، في واحدة من أخطر حلقات مسلسل تصفية القضية. يبقى السؤال: كيف سيشارك السيسي في هذا المخطط؟ وكيف سينجح الفلسطينيون في إفشال هذه المؤامرة؟