لم يعد مشروع المونوريل مجرد خطة تطوير لقطاع النقل الجماعي في القاهرة الكبرى والعاصمة الإدارية الجديدة، بل تحوّل إلى قضية جدلية متعددة الأبعاد، تتشابك فيها التعهدات الحكومية المتكررة مع أعباء مالية ضخمة، وشبهات سياسية متعلقة بشركة فرنسية متورطة في مشاريع الاستيطان الإسرائيلي.
 

وعود لا تنتهي
منذ أغسطس 2019، انطلقت المرحلة الأولى من المشروع شرق النيل، وكان يفترض تسليمها في يونيو 2022، بينما كان من المقرر أن تنتهي المرحلة الثانية غرب النيل بحلول يوليو 2023. إلا أنّ مواعيد التشغيل تاهت بين تصريحات وزير النقل كامل الوزير، الذي وعد مرة بالتشغيل في فبراير 2025، ثم عاد وحدد أبريل 2025، قبل أن يتعهد مؤخراً بالافتتاح في نوفمبر المقبل.

هذه الوعود المتضاربة أثارت شكوك الخبراء والرأي العام بشأن جدية التنفيذ، لا سيما مع الأزمات الاقتصادية التي تواجه مصر، والضغوط المتزايدة على العملة الصعبة.
 

تكلفة مرهقة للموازنة
تشير التقديرات الرسمية إلى أن التكلفة الإجمالية للمونوريل بلغت 4.1 مليارات يورو (نحو 232.7 مليار جنيه)، بخلاف القروض المحلية التي حصلت عليها الهيئة القومية للأنفاق، والتي تجاوزت 16 مليار جنيه خلال عامي 2023 و2024 لاستكمال الأعمال ودفع مستحقات المقاولين.

هذه الأعباء جعلت المشروع أحد أبرز أسباب تضخم مديونية هيئة الأنفاق، فيما تتحمل الموازنة العامة للدولة تبعات السداد وسط تراجع الدعم الحكومي لقطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم.
 

شركة فرنسية في قلب العاصفة
الأكثر إثارة للجدل هو منح شركة ألستوم الفرنسية مهام تشغيل وصيانة المشروع لمدة 30 عاماً بالأمر المباشر. الشركة أُدرجت في قائمة الأمم المتحدة للشركات المتورطة في الاستيطان الإسرائيلي، بعد مشاركتها في بناء وتشغيل القطار الخفيف الذي يربط المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية بالغربية.

ورغم ذلك، فإن الحكومة سمحت لها بلعب دور محوري في تطوير قطاع النقل، بدءاً من المونوريل وحتى مشروعات المترو، مما يثير تساؤلات حول مدى انسجام هذه الشراكة مع الموقف الرسمي المصري من القضية الفلسطينية.
 

جدوى اقتصادية محل شك
يرى خبراء النقل أن المشروع مكلف للغاية مقارنة بوسائل بديلة مثل حافلات النقل السريع (BRT)، التي توفر خدمة أقل تكلفة وبكفاءة عالية.
الدكتور أسامة عقيل، أستاذ هندسة الطرق بجامعة عين شمس، يؤكد أن العالم يتجه إلى تقليص مشروعات المترو والمونوريل بسبب صعوبة استرداد تكلفتها، مشيراً إلى أن القطار المورد لمصر يتألف من أربع عربات فقط بسعة 200 راكب كحد أقصى، وهو ما يطرح تساؤلاً حول قدرته على استيعاب الطلب الفعلي في مدينة مكتظة مثل القاهرة.

أما الدكتور أحمد درويش، وزير التنمية الإدارية الأسبق، فقد وصف المشروع بأنه "غير مجدٍ اقتصادياً"، موضحاً أن المونوريل وُجد أساساً في مدن ذات كثافة سكانية عالية ومساحات ضيقة، بينما يمتد الخط المصري في مناطق صحراوية ما زالت قليلة السكان.