تشهد مصر أزمة بيئية واجتماعية غير مسبوقة مع تزايد التحذيرات من انقراض الحمير، بعد ارتفاع معدلات ذبحها بغرض تصدير جلودها إلى الصين، حيث تُستخدم في صناعة مستحضرات تقليدية يعتقد أنها تعزز الخصوبة وتقاوم الشيخوخة.

 

تصدير الآلاف من الجلود سنويًا

بحسب تقرير لوكالة بلومبرج الشرق، فإن القاهرة تصدّر نحو 8 آلاف جلد حمار سنويًا إلى السوق الصينية بأسعار مرتفعة، مستفيدة من الطلب الكبير على هذه السلعة.

الجلود المصدرة تدخل في إنتاج مادة تسمى إيجياو (Ejiao)، وهي مستحضر صيني تقليدي يُعتقد أنه يحسّن الصحة الجنسية ويؤخر مظاهر الشيخوخة، رغم غياب دلائل علمية قوية على هذه الفوائد.

هذا الطلب المتزايد أدى إلى زيادة عمليات الذبح بشكل كبير، ما تسبب في انخفاض أعداد الحمير في مصر بشكل ملحوظ، وسط تحذيرات من أن الاستمرار في هذا الاتجاه قد يؤدي إلى فقدان هذا الحيوان الذي كان جزءًا من الحياة الريفية المصرية لقرون.

 

أزمة بيئية واقتصادية في الأفق

يرى خبراء أن فقدان الحمير سيؤدي إلى تداعيات بيئية واقتصادية خطيرة، خاصة أن هذا الحيوان يمثل أداة نقل أساسية للفلاحين في المناطق الريفية التي لا تصلها الميكنة الزراعية الحديثة.

يقول الخبير البيئي الدكتور محمد عبد المجيد: "الحمير ليست مجرد وسيلة مواصلات، بل هي عنصر حيوي في دورة الحياة الريفية، وفقدانها سيؤثر على الإنتاج الزراعي ويزيد من الأعباء المالية على الفلاحين."

ويضيف أن انقراض الحمير سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النقل الزراعي، وزيادة الاعتماد على وسائل ميكانيكية، ما يرفع تكلفة الزراعة ويؤثر في أسعار المنتجات الغذائية.

 

جدل أخلاقي وتشريعي

الجدل حول تصدير جلود الحمير ليس جديدًا في مصر، إذ حاول البرلمان سابقًا إصدار تشريعات للحد من هذه التجارة، لكن الضغوط الاقتصادية وحاجة الحكومة لجذب العملة الصعبة جعلت الأمر يستمر.

الناشطة في مجال حقوق الحيوان داليا الشناوي تؤكد أن هذه التجارة تنتهك المعايير الأخلاقية، قائلة: "ذبح الحمير لأجل جلودها فقط يعد جريمة أخلاقية بحق الحيوان، وهناك بدائل اقتصادية أفضل من الاتجار في كائن حي بهذه الصورة."

كما دعت إلى فرض قيود صارمة على التصدير، وإنشاء مزارع مخصصة للحمير إن كان لا بد من تلبية الطلب، لتجنب الإضرار بالتوازن البيئي والحياة الريفية.

 

لماذا الصين؟ وما وراء الإيجياو؟

الصين تُعد السوق الأكبر عالميًا لجلود الحمير، حيث يُستخدم مستحضر إيجياو منذ مئات السنين في الطب التقليدي الصيني. ويُعتقد أن هذه المادة تعزز الدورة الدموية وتحافظ على الشباب وتزيد الخصوبة.

ارتفاع مستوى الدخل في الصين وزيادة الإقبال على الطب البديل جعل الطلب على جلود الحمير يقفز عالميًا، ما دفع دولًا عدة إلى حظر تصديرها، مثل كينيا وبوتسوانا، لحماية قطعانها.

 

مصر في مرمى الانتقادات

في مصر، تتعرض حكومة مدبولي لانتقادات بسبب غياب استراتيجية لحماية الحمير، إذ لا توجد بيانات دقيقة عن أعدادها الحالية أو معدلات تناقصها.

تقرير سابق للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أشار إلى أن عدد الحمير في مصر كان يقارب 3 ملايين حمار قبل سنوات، لكن ناشطين يؤكدون أن الرقم تراجع بشكل ملحوظ مع ازدهار تجارة الجلود.

 

هل من حلول؟

خبراء يقترحون عدة حلول لإنقاذ الحمير من شبح الانقراض، أبرزها:

  • وضع سقف سنوي لتصدير الجلود.
  • تشجيع التربية المنظمة للحمير لتلبية الطلب التجاري دون المساس بالتوازن البيئي.
  • توعية المزارعين بخطورة التخلص من الحمير بشكل عشوائي على حياتهم الاقتصادية.
  • إصدار تشريعات واضحة لحماية حقوق الحيوان ومنع ذبحه بطرق وحشية.

وفي ظل هذه التطورات، يبقى السؤال: هل ستتدخل حكومة مدبولي لحماية هذا الحيوان الذي شكّل جزءًا من تراثها الريفي، أم ستستمر التجارة في تهديد وجوده مقابل حفنة من الدولارات؟