في مشهد صادم، هزّ حادث قطار مطروح الرأي العام المصري بعد أن انكشف قصور الصيانة وفشل مشروعات التطوير التي لطالما تباهى بها وزير النقل الفريق كامل الوزير خلال السنوات الأخيرة.
فبينما رُوّج لأن هذه المشروعات ممولة بقروض بمليارات الدولارات من جهات دولية وبنوك أوروبية، جاءت حادثة مطروح لتعيد الأسئلة الكبرى إلى الواجهة: أين ذهبت القروض الضخمة؟ ولماذا ما زالت منظومة السكك الحديدية تعاني انهياراً مريعاً في السلامة والصيانة؟
 

انكسار "البودي".. مؤشر خطير على ضعف الصيانة

التحقيقات الأولية والتقارير الميدانية أكدت أن السبب المباشر في تفاقم آثار الحادث يعود إلى انكسار الهيكل الخارجي لعربات القطار (البودي) بشكل سريع لحظة الاصطدام، وهو ما يشير إلى هشاشة معدنية وتردي جودة الصيانة، في حين يفترض أن تكون هذه العربات مطورة وفق معايير الأمان التي أعلن عنها الوزير مراراً.

خبراء النقل أكدوا أن هذا العطل الخطير لا يمكن اعتباره حادثاً عرضياً، بل هو نتيجة مباشرة للإهمال المزمن، وعدم استثمار القروض في أعمال الصيانة الحقيقية.

الدكتور محمد صادق، الخبير في هندسة السكك الحديدية، قال: "ما حدث في مطروح ليس مجرد حادث، بل دليل على أن الأموال التي أُنفقت على التطوير لم تصل إلى البنية التحتية الفعلية. العربات التي انكسر هيكلها من أول صدمة تفتقر لأبسط معايير السلامة."
 

قروض بمليارات الدولارات.. بلا مردود فعلي

خلال السنوات الأخيرة، أعلن وزير النقل عن توقيع عشرات الاتفاقيات للحصول على قروض وتمويلات خارجية لتطوير شبكة السكك الحديدية. ووفق تصريحات رسمية، فإن حجم الاستثمارات والقروض تجاوز 12 مليار دولار منذ عام 2018، شملت صفقات عربات جديدة وتحديث الإشارات ومشروعات الجر الكهربائي.

لكن حادثة مطروح فجرت تساؤلات حادة:

  • لماذا لا يزال المواطن يركب قطارات متهالكة؟
  • لماذا يتكرر مسلسل الحوادث رغم كل هذه الأموال؟
  • هل ذهبت القروض إلى أولويات غير ملحّة، أم ضاعت في الفساد وسوء الإدارة؟

خبير الاقتصاد تامر النحاس يرى أن الأزمة الحقيقية تكمن في غياب الرقابة والمساءلة: "القروض التي حصلت عليها مصر لتطوير النقل ليست منحة مجانية، بل التزامات ستدفعها الأجيال القادمة بفوائد باهظة. ومع ذلك، لا نرى تحسناً ملموساً في الخدمة، وهذا يعني أن هناك خللاً كبيراً في التخطيط والتنفيذ."
 

حوادث متكررة رغم وعود الوزير

حادثة مطروح لم تكن الأولى، فقد سبقها حوادث دامية في سوهاج، طوخ، والإسكندرية، أودت بحياة المئات خلال السنوات الأخيرة. ورغم الوعود المتكررة بأن "عصر الحوادث انتهى"، تثبت الوقائع أن ما تغير هو الشعارات، أما الواقع فلا يزال مأساوياً.

أحد المواطنين الناجين من حادث مطروح قال في تصريحات لوسائل الإعلام: "كل يوم نسمع عن مليارات صرفوها على القطارات، لكننا نركب عربات قديمة ومتهالكة، والنتيجة أننا نموت بالإهمال."
 

أين ذهبت الأموال؟ ومتى تتحقق العدالة؟

اللافت أن الحكومة تبرر القروض الضخمة بأنها تهدف لتطوير النقل العام وتحسين الخدمة للمواطنين. لكن في المقابل، تُظهر المؤشرات أن الجزء الأكبر من هذه القروض ذهب إلى مشروعات ذات طبيعة دعائية، مثل القطار الكهربائي والقطار السريع الموجه لفئة محدودة، بينما تُركت شبكة القطارات التقليدية – التي يستخدمها ملايين المصريين يومياً – لمصيرها البائس.

الدكتور عمار علي حسن، الباحث في الشأن العام، يصف ما يحدث بأنه "أزمة أولويات": "الدولة تهتم بالمشروعات الضخمة التي تظهر في الإعلام، بينما القطاعات التي تخدم الفقراء تُترك للإهمال. حادث مطروح مثال صارخ على ذلك."
 

كارثة إنسانية وفاتورة اقتصادية باهظة

الحادث لم يخلّف فقط ضحايا بين قتيل وجريح، بل تسبب في خسائر مالية ضخمة وتعطيل حركة النقل، ما يفاقم الضغط على الاقتصاد الذي يعاني أصلاً من نقص العملة الأجنبية وتزايد الديون. فكيف يمكن لمصر أن تتحمل المزيد من القروض إذا كانت نتائجها كارثية على المستويين البشري والاقتصادي؟

اليوم، يطالب خبراء ومواطنون بفتح تحقيق شفاف حول أوجه إنفاق القروض المخصصة لتطوير السكك الحديدية، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الفوضى. فبدون كشف الحقيقة، ستظل الدماء تنزف على قضبان السكة الحديد، فيما يظل المواطن البسيط هو الضحية الأولى.