منذ انقلاب يوليو 2013، دخلت المنظومة الصحية في مصر مرحلة جديدة اتسمت بالتراجع الحاد في جودة الخدمات، وارتفاع تكاليف العلاج، وتفاقم الأزمات الهيكلية، في الوقت الذي يرفع فيه الإعلام الموالي شعارات زائفة عن التقدم والازدهار.

مقارنة دقيقة بين أوضاع الصحة قبل 2013 وما بعدها تكشف عن انهيار متدرج جعل العلاج رفاهية للأغنياء فقط.

أولاً: ميزانية الصحة والدعم الحكومي
قبل عام 2013، كانت ميزانية الصحة تدور حول 1.5% من الناتج المحلي، وهو أقل من المعدل المطلوب لكن مع وجود دعم نسبي للأدوية والخدمات الطبية. كانت الدولة تتحمل جزءًا كبيرًا من تكلفة العلاج، وتوفر خدمات أساسية في المستشفيات العامة بأسعار رمزية.
أما بعد 2013، ورغم النص الدستوري في 2014 الذي ألزم الدولة بإنفاق 3% على الأقل من الناتج المحلي على الصحة، لم يتحقق ذلك حتى اليوم. ظلت المخصصات الحقيقية أقل بكثير من النسبة الدستورية، مع تقليص الدعم تدريجيًا، ما أدى إلى تحميل المواطن العبء الأكبر من نفقات العلاج.

ثانياً: أسعار الأدوية وانهيار القدرة الشرائية
قبل 2013، كانت أسعار الأدوية الأساسية في متناول أغلب المصريين، إذ تراوحت أسعار أدوية الضغط والسكري بين 5 و15 جنيهًا، بينما كانت أدوية الأمراض المزمنة متاحة بأسعار مدعومة.
لكن بعد الانقلاب، وخاصة بعد تعويم الجنيه في 2016، ارتفعت أسعار الأدوية بنسبة 100% إلى 300%. على سبيل المثال، أصناف كانت تباع بـ10 جنيهات أصبحت بـ40 جنيهًا وأكثر، فيما تجاوزت أسعار أدوية السرطان والمضادات الحيوية قدرة المواطن المتوسط. أضيف إلى ذلك نقص متكرر في الأدوية الحيوية بسبب سوء إدارة السوق وارتفاع تكلفة الاستيراد.

ثالثاً: المستشفيات والتأمين الصحي
قبل 2013، كانت المستشفيات الحكومية تقدم خدمات علاجية أساسية برسوم منخفضة، ورغم الازدحام إلا أن المواطنين كانوا يعتمدون عليها بشكل كبير. برامج العلاج على نفقة الدولة كانت تغطي مئات الآلاف سنويًا.
أما بعد 2013، اتبعت الحكومة سياسة الخصخصة التدريجية، حيث تم نقل إدارة بعض المستشفيات إلى شركات خاصة، وارتفعت رسوم الخدمات بشكل كبير. في الوقت نفسه، ظل مشروع التأمين الصحي الشامل حبرًا على ورق، إذ لم يغطِّ سوى عدد محدود من المحافظات حتى 2025، مع بطء التنفيذ واشتراطات مالية أثقلت كاهل المواطنين.

رابعاً: هجرة الأطباء وانهيار الكوادر البشرية
قبل 2013، كان عدد الأطباء المسجلين في مصر أكثر من 220 ألف طبيب، وكانت الهجرة محدودة (5-6 آلاف طبيب سنويًا).
لكن بعد الانقلاب، ومع تدني الرواتب (أقل من 5 آلاف جنيه شهريًا للطبيب الحكومي)، وغياب الحماية القانونية، وسوء بيئة العمل، قفزت معدلات الهجرة إلى أرقام غير مسبوقة.
وفق نقابة الأطباء، هناك أكثر من 70% من الأطباء المصريين يعملون خارج البلاد، ما ترك المستشفيات الحكومية تعاني من نقص حاد في التخصصات الحيوية مثل التخدير والعناية المركزة.

خامساً: جودة الخدمات الصحية والأزمات الكبرى
قبل 2013، رغم محدودية الإمكانات، كانت هناك محاولات لتحسين الخدمات، وتوفير برامج مكافحة الأمراض المزمنة والأوبئة.
أما بعد الانقلاب، ظهرت أزمات كارثية كشفت عجز المنظومة بالكامل، أبرزها خلال جائحة كورونا، حيث عانت المستشفيات من نقص أجهزة التنفس الصناعي وأسرة العناية المركزة، ما أدى إلى وفيات لا تحصى. إضافة إلى ذلك، تفشى الإهمال الطبي بسبب ضعف الرقابة وانهيار منظومة التدريب.

سادساً: المواطن بين المرض والفقر
النتيجة النهائية لهذا الانهيار أن المواطن المصري أصبح مضطرًا إلى الاقتراض أو بيع ممتلكاته للعلاج في المستشفيات الخاصة، أو مواجهة الموت في قوائم الانتظار الحكومية. تقارير دولية تشير إلى أن أكثر من 60% من المصريين باتوا ينفقون الجزء الأكبر من دخولهم على الصحة، وهو ما لم يكن قائمًا قبل عقد من الزمن.
 

وعود زائفة وواقع مأساوي
بينما يزعم النظام وإعلامه أن مصر حققت طفرة في الصحة، تكشف الأرقام والوقائع أن ما جرى هو انهيار شامل في كل المؤشرات الصحية مقارنة بما قبل 2013. ارتفعت أسعار الدواء، تراجع الدعم، خصخصت المستشفيات، هاجر الأطباء، وانهارت البنية الصحية، ليبقى المواطن الضحية الأولى.