يشهد المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة اتساعًا غير مسبوق في فجوة التفاوت الطبقي، حيث تتكدس الثروة في أيدي قلة محدودة، بينما تغرق الأغلبية في أزمات اقتصادية خانقة.
هذه الظاهرة لم تعد مجرد انطباع شعبي، بل تؤكدها الأرقام والدراسات التي تشير إلى تركز الثروة لدى شريحة صغيرة من رجال الأعمال والمستثمرين، في مقابل تراجع القوة الشرائية للملايين من المواطنين.
أرقام تكشف الفجوة
وفقًا لتقارير اقتصادية حديثة، تسيطر أقل من 10% من السكان على معظم الثروة في مصر، بينما يعيش ما يقرب من 30 مليون مواطن تحت خط الفقر.
في المقابل، تنتشر في القاهرة والمدن الكبرى مشاهد الأبراج الفاخرة، والكمبوندات المغلقة، والسيارات الفارهة التي تعكس واقعًا مغايرًا تمامًا لمعاناة الطبقات المتوسطة والفقيرة.
هذا التناقض الصارخ أصبح مادة للنقاش العام، خصوصًا مع التوسع في مشاريع تخدم طبقة الأثرياء، مثل المدن الذكية والمشروعات العقارية الفاخرة، في الوقت الذي يئن فيه المواطن البسيط من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتآكل الأجور، وزيادة معدلات البطالة.
تامر النحاس: سياسات الاقتصاد زادت الفجوة
الخبير الاقتصادي تامر النحاس أكد في تصريحات صحفية أن التفاوت الطبقي في مصر لم يعد مسألة طبيعية مرتبطة بالتنمية، بل نتيجة مباشرة لسياسات اقتصادية تفتقر إلى العدالة الاجتماعية. وأضاف:
"الحكومة ركزت على جذب الاستثمارات الضخمة والمشاريع العقارية الفاخرة، دون مراعاة لتأثير ذلك على التوزيع العادل للثروة. الفئات الغنية استفادت من الحوافز والإعفاءات، بينما تحملت الطبقات الدنيا والوسطى العبء الأكبر من الإصلاحات الاقتصادية وزيادات الأسعار."
وأشار النحاس إلى أن السياسات الحالية أدت إلى تآكل الطبقة الوسطى، التي كانت تمثل صمام أمان المجتمع المصري، لتقترب من خط الفقر، بينما تزداد ثروات قلة من رجال الأعمال المتحالفين مع السلطة.
عمار علي حسن: الخطر يمتد إلى البنية الاجتماعية
أما الباحث والمفكر السياسي عمار علي حسن فيرى أن التفاوت الطبقي في مصر لم يعد مجرد مسألة اقتصادية، بل أصبح قضية تهدد التماسك الاجتماعي. وقال في تصريحات له:
"عندما يشعر المواطن أن الدولة لا تمنحه فرصًا متكافئة، وأن الثروة والسلطة تتركزان في يد قلة محدودة، فإن ذلك يخلق حالة من الاحتقان واللامبالاة وربما الغضب المكبوت. هذه بيئة خصبة لاضطرابات مستقبلية."
وأكد حسن أن اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء يقوض قيم التضامن الاجتماعي، ويحول المجتمع إلى جزيرتين: جزيرة للأثرياء تحيط بها أسوار الرفاهية، وجزيرة للفقراء تغرق في أزمات المعيشة والبطالة.
مشاريع الدولة.. رفاهية لفئة ومعاناة للأغلبية
تنتقد الأوساط الاقتصادية والسياسية تركيز الحكومة على مشاريع مثل العاصمة الإدارية الجديدة، والمدن الساحلية الفاخرة، التي تستنزف مليارات الجنيهات، بينما لا يستفيد منها سوى شريحة صغيرة.
في المقابل، يعاني المواطنون من انهيار الخدمات الصحية والتعليمية، وارتفاع أسعار الغذاء والوقود، وعدم قدرة الرواتب على مجاراة التضخم.
الخبير الاقتصادي مدحت نافع أشار في دراسة له إلى أن المشاريع الكبرى قد تكون ضرورية للنمو، لكنها تتحول إلى أداة لتعميق التفاوت إذا لم ترافقها سياسات لإعادة توزيع الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية.
تحذير من انفجار اجتماعي
التقارير والتحليلات تؤكد أن استمرار هذا الوضع دون تدخل عاجل لإعادة التوازن قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية الهائلة التي يعيشها المواطن البسيط.
الخبراء يطالبون بسياسات تضمن توزيعًا أكثر عدالة للثروة، من خلال إصلاح النظام الضريبي، دعم الفئات الأكثر احتياجًا، وتوجيه الاستثمارات لتحسين الخدمات الأساسية بدلًا من الاكتفاء بالمشاريع الترفيهية.