قبل أيام قليلة من انطلاق العام الدراسي الجديد، يعيش الشارع المصري حالة من الغضب والضيق نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار الملابس، في وقت تتفاخر فيه الحكومة بتحقيق صادرات قياسية في قطاع الملابس الجاهزة. وبينما تسعى الأسر المصرية لتوفير احتياجات أبنائها المدرسية من ملابس وأحذية، تصطدم بواقع اقتصادي صعب يضاعف الأعباء عليها.
 

قفزات قياسية في الصادرات.. أرقام براقة على الورق
وفقًا لتصريحات رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة، فاضل مرزوق، ارتفعت صادرات القطاع بنسبة 26% خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025، لتسجل 1.939 مليار دولار، وهو رقم قياسي في تاريخ الصناعة.
المجلس يطمح لزيادة الصادرات بنسبة 35% بنهاية العام الحالي، لتتجاوز 3.7 مليار دولار، وصولًا إلى 12 مليار دولار بحلول عام 2031.

وتأتي هذه الطموحات بدعم من الاستثمارات الأجنبية، خصوصًا من الصين وتركيا، حيث سجلت تركيا قفزة قياسية بلغت 91% لتصل إلى 226 مليون دولار، بينما حققت السعودية نموًا استثنائيًا بنسبة 97% مسجلة 183 مليون دولار.
أما الولايات المتحدة فما زالت الوجهة الأولى لصادرات الملابس المصرية بقيمة 760 مليون دولار.

هذه الأرقام تبدو للوهلة الأولى مؤشرًا على نجاح اقتصادي كبير، لكن الصورة على أرض الواقع داخل السوق المحلية مختلفة تمامًا.
 

المستهلك المصري بين المطرقة والسندان
في المقابل، يشكو المستهلك المصري من ارتفاع غير مسبوق في أسعار الملابس قبل الموسم الدراسي.
جولة في الأسواق تكشف أن أسعار الزي المدرسي ارتفعت بنسبة تتراوح بين 30% و50% مقارنة بالعام الماضي.
أسعار ملابس الأطفال تشهد قفزات كبيرة؛ البنطلون المدرسي تجاوز 250 جنيهًا، بينما وصل سعر القميص إلى 200 جنيه، في حين لا يقل سعر الحذاء عن 500 جنيه في كثير من المتاجر.

هذه الزيادات ترهق الأسر محدودة ومتوسطة الدخل، خاصة مع التضخم الذي يلتهم الدخول، في وقت تراجع فيه الجنيه المصري وفقد أكثر من نصف قيمته أمام الدولار خلال الأعوام الأخيرة.
المواطن يجد نفسه بين التزامات دراسية باهظة واحتياجات معيشية أساسية لا يمكن الاستغناء عنها.

جانب من المواطنين اعتبروا أن السياسات الاقتصادية الحالية تعكس انحيازًا واضحًا للأرباح على حساب حقوق المواطنين، مطالبين بفرض رقابة صارمة على الأسعار وتوفير بدائل بأسعار مناسبة، خاصة للزي المدرسي الذي يمثل عبئًا موسميًا على ملايين الأسر.
 

أين السوق المحلية من خطط التصدير؟
المفارقة المثيرة للسخرية أن الحكومة تحتفي بزيادة صادرات الملابس، في حين تترك السوق المحلية تواجه موجة غلاء بلا رقابة أو تدخلات حقيقية لحماية المستهلكين.
الشركات المنتجة تفضل تصدير منتجاتها بأسعار مجزية بالدولار، بدلًا من طرحها محليًا بأسعار مناسبة، وهو ما يؤدي إلى نقص المعروض وارتفاع الأسعار.
 

آراء الخبراء: التصدير بلا توازن يضر بالمستهلك المحلي
الدكتور هشام إبراهيم، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، يقول إن زيادة الصادرات أمر مهم لدعم الاحتياطي النقدي، لكنه يحذر من أن ذلك لا يجب أن يتم على حساب السوق المحلية، حيث يؤدي نقص المعروض إلى موجات غلاء تضرب المستهلكين، خصوصًا في المواسم مثل العودة للمدارس.

أما الخبير الاقتصادي مدحت نافع فيرى أن الحكومة مطالبة بوضع سياسات توازن بين التصدير وتوفير احتياجات السوق المحلي، مثل فرض نسب محددة للإنتاج المخصص للسوق المصرية بأسعار مناسبة، لتجنب ما أسماه "التجويع الاقتصادي" للطبقة الوسطى والفقيرة.

وأضاف الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، أن هذه السياسة تجعل المواطن لا يشعر بثمار النمو الاقتصادي، بل على العكس يتحمل أعباء إضافية بسبب غياب الرقابة وترك السوق للعرض والطلب في وقت تنهار فيه القوة الشرائية.
 

نجاح على الورق.. ومعاناة في الشارع
في النهاية، لا يمكن إنكار أهمية زيادة الصادرات في دعم الاقتصاد المصري وجلب العملة الصعبة، لكن المشكلة أن هذه النجاحات لا يشعر بها المواطن العادي، الذي يواجه موجة غلاء جنونية تجعله غير قادر على تلبية احتياجات أسرته الأساسية.
وبينما تعلن الحكومة عن خطط طموحة لتحقيق 12 مليار دولار صادرات بحلول 2031، تظل الأسر المصرية تبحث عن مخرج من أزمة الأسعار التي جعلت شراء الملابس رفاهية لا يملكها إلا القادرون.