شهدت مدينتا القاهرة والإسكندرية ثلاث زيادات على تعريفة رحلات أوبر خلال عام 2025، حيث أعلنت الشركة مؤخرًا زيادة بنسبة متوسطها 10% في أغسطس 2025.
هذه الزيادة جاءت في سياق مراجعات دورية للأسعار لمواكبة ارتفاع تكاليف التشغيل، لا سيما زيادة أسعار الوقود التي أقرها حكومة الانقلاب المصرية في أبريل 2025 برفع سعر البنزين والسولار بمقدار جنيهين للتر الواحد، ووصل سعر لتر بنزين 80 إلى 15.75 جنيه، والبنزين 95 إلى 19 جنيهًا، ما أثر بشكل مباشر على كلفة التشغيل لدى السائقين وعلى التسعير النهائي للرحلات.
حيث أعلنت شركات نقل الركاب العاملة بتطبيقات الهواتف عن زيادات جديدة في تعريفة الرحلات في القاهرة والإسكندرية وهي الزيادة الثالثة التي تُسجّل خلال فترة زمنية قصيرة في سالفة من الزيادات المرتبطة بارتفاع أسعار الوقود والسياسة الاقتصادية للدولة.
الشركات تقول إن متوسط الزيادة الأخيرة حوالي 8 - 10% في مناطق محددة، ما يرفع العبء على المواطن المصري الذي يواجه بالفعل تضخماً وموجات رفع أسعار منذ بداية 2024.
مراحل الزيادات الرسمية والمحلية
الارتفاعات يمكن تتبعها إلى قرار لجنة تسعير الوقود في 25 يوليو 2024، الذي رفع أسعار البنزين والديزل بين 10% و15% مثلاً أوكتان 80 إلى 12.25 جنيه /L، والديزل إلى 11.50 جنيه/L.
هذا القرار الحكومي شكل الشحنة الأولى التي أدّت إلى موجة زيادات أسعار النقل.
بعدها أعلنت شركات مثل أوبر رفع تعريفة الرحلات في القاهرة والإسكندرية بنحو 8% في بداية أغسطس 2024، فيما كانت هناك زيادات سابقة وطلبات تعديل أسعار على فترات متفرقة طوال السنة، لتصل بعض خدمات التطبيقات إلى متوسط زيادة تراكمية تقارب 15% بحسب بعض التغطيات المحلية.
التاريخان الأساسيان اللذان يجب تذكرهما هنا..
- 25 يوليو 2024 (رفع أسعار الوقود)
- إعلان أوبر عن الزيادة في أوائل أغسطس 2024.
عيوب هذه الزيادات ومتى اعتمدت رسمياً
أول عيب واضح هو الارتباط الأعمى بتكلفة الوقود فقط؛ رفع التعريفات تم بسرعة وبآلية أحادية الجانب من الشركات بعد قرار الحكومة، من دون آليات حماية للمستخدمين أو فئات الدخل الأدنى.
ثانياً، لا توجد شفافية كافية في حساب نسب الزيادة أو في إتاحة بيانات عن كيفية وصول الزيادة إلى متوسط 8–15%، إضافة إلى التأخير في إصدار بدائل دعم أو قسائم تخفيف عبء للمواطن.
ثالثاً، اعتماد الزيادات تم على نحو غير متزامن بين المحافظات والفئات، ما خلق تفاوتاً وظيفياً في تكلفة المشوار بين حي وآخر، إذ صرّحت الشركات بأنها "راجعت الأسعار بعد زيادة أسعار البنزين" دون تفاصيل حسابية أو جداول مفصلة للمكونات الجديدة للأجرة.
لماذا لا يرحم المواطن؟
الزيادة ليست قضية أسعار وقود فحسب؛ هي انعكاس لأزمة أعمق؛ سياسة تقليص الدعم وتعديلات الأسعار التي تُعلنها الحكومة تحت ضغط مشتريات خارجية وخدمة ديون مرتفعة.
رفع سعر الوقود في 25 يوليو 2024 ربطته تقارير دولية وداخلية برغبة الحكومة في تحسين موازنة الدولة، وتأمين مواعيد مراجعات قروض وصناديق دولية.
هذا يعني أن المواطن هو الذي يدفع فاتورة ضبط الميزانية العامة، بينما الفئات الحاكمة والسياسات الاقتصادية تمضي دون حماية اجتماعية كافية.
النتيجة: تضخم شديد في تكاليف النقل والسلع والخدمات، والمواطن لا يرحم لأنه خسر قدرة شراء بلغت نسباً محسوسة منذ بداية العام.
من المستفيد؟ توزيع المصالح بين الدولة والشركات
الطرفان الرئيسيان المستفيدان ظاهرياً هما:
(1) الدولة التي تقلّص حجم الدعم المباشر على الوقود وتُظهر مؤشرات ميزانية أقوى أمام الدائنين.
(2) شركات النقل الرقمي التي تبرّر رفع الأسعار استناداً لارتفاع التكاليف التشغيلية.
لكن هناك رابحون آخرون؛ شبكات التوزيع والوسطاء وشركات الصيانة وقطاع الخدمات المرتبط بسياسات تحرير الأسعار؛ بينما الخاسر الأكبر هو المواطن والعاملون بأجور ثابتة.
وفي ميدان السياسة، الاستفادة السياسية قصيرة الأمد لصانعي القرار لجهة احتواء أزمة نقدية على حساب الرضا الشعبي.
ماذا قالت التقارير والإحصاءات؟
لجنة تسعير المنتجات البترولية رفعت أسعار البنزين والديزل في 25 يوليو 2024 بزيادات تراوحت بين 10% و15%.
أوبر أعادت تسعير الرحلات في القاهرة والإسكندرية (إعلان أغسطس 2024) برصيد زيادة إضافية 8% رداً على قرار رفع الوقود، ما رفع متوسط الزيادات في بعض الخدمات إلى نحو 15% منذ بداية فصل الصيف.
تقارير متخصصة أشارت إلى أن هذا النوع من الزيادات المتتابعة أدى فعلياً إلى ضغوط تضخمية على السلع والخدمات، مع تأثير مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين خلال 2024.
لماذا التحوّل مطلوب فوراً؟
إذا كانت الدولة جادة في التخفيف عن المواطنين، فالحلول الممكنة تشمل: آليات دعم مستهدفة للشرائح الأكثر ضعفا بدل دعم شامل مكلّف، فرض شفافية على شركات النقل الرقمي في كيفية احتساب التعريفة (قواعد واضحة ومعلنة)، وتفعيل بدائل نقل عام مدعومة بأسعار ثابتة أو قسائم نقل مؤقتة.
كذلك يجب أن تكون أي زيادات مقرونة بآليات اجتماعية مؤقتة تحمي الأجور الحقيقية للمواطنين.
من دون ذلك، سيبقى المواطن منقوص الحقوق الاقتصادية؛ يدفع ثمن سياسات لا تُستشار في التصميم ولا تتوافق مع قدرة الناس على التحمل.
الزيادة هي مؤشر سياسي
هذه الزيادات المتتابعة في تعريفة أوبر ورابطة قرار رفع الوقود تكشف عن اختيار سياسي: تحميل المواطن فاتورة ضبط الاقتصاد الوطني.
قرار 25 يوليو 2024 وقرار زيادة أوبر في أغسطس 2024 ليسا حدثين منفصلين بل حلقتان من سلسلة واحدة تقود إلى استنزاف القدرة الشرائية للمواطن، بينما الفائدة الحقيقية تذهب إلى موازنات الشركات وحسابات الدولة أمام المقرضين الدوليين.
أمام هذا الواقع، يبقى السؤال السياسي الأكبر: من يحاسب من؟ ومن سيعيد ضبط المشهد لصالح المواطن بدل أن يكون ضحية سياسات تُنفّذ باسم الاستقرار الاقتصادي؟