أطلّ شادي زلطة، المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم، بتصريحات متلفزة أعلن فيها أن "نظام البكالوريا يشبه الأنظمة الأجنبية" وأن الطالب سيدرس مواد الصف الأول الثانوي كاملة ثم يختار في الصف الثاني أحد أربعة مسارات محددة.
التصريح نشرته وسائل رسمية وإعلام موالٍ في أواخر أغسطس 2025، ورافقته تبريرات تكنوقراطية عن تحسين جودة التعليم ومحاولة التخلص من كابوس الثانوية العامة.
ما الذي تغيّر فعلاً؟
وفق الشرح الرسمي، النظام الجديد يقسّم الثانوية إلى أربعة مسارات (طبي، هندسي، إنساني، ذكاء اصطناعي)، ولكل مسار أربع مواد أساسية تتناسب مع التخصص، مع احتساب المجموع بشكل تراكمي بين الصفين الثاني والثالث في ما يُقدَّم على أنه "بكالوريا موحدة".
كما أعلن المتحدث أن الطالب سيحظى بامتحان مدفوع لتحسين الدرجة (دفع 200 جنيه للفرصة الثانية)، وأن أعمال السنة سيتم التعامل معها بطريقة مختلفة عن النظام التقليدي، هذه التفاصيل نُشِرت في تقارير صحفية وبيانات الوزارة خلال الأسابيع الأخيرة.
الأرقام تكشف الهوّة بين الطرح والواقع
الوزارة تواجه أموراً واقعية صعبة؛ في العام الدراسي الحالي 2024/2025 بلغ عدد طلاب الثانوية العامة أكثر من 823 ألف طالب وطالبة، ما يعني تحديًا لوجستيًا هائلاً عند تطبيق أي نموذج تقييم جديد يتطلب بنى تحتية رقمية ومراكز تصحيح مختلفة.
كما أعلنت الوزارة سابقًا أن إجمالي المتقدمين ضمن أنظمة جديدة وقديمة بلغ 785,099 متقدماً في دورٍ سابق، ما يوضح كثافة الضغط على منظومة الامتحانات.
على مستوى الإنفاق، تستهدف الموازنة 2024/2025 توفير مبالغ ضخمة للتعليم قبل الجامعي (مبالغ مذكورة تفصيلًا في خطط الموازنة)، لكن ارتفاع الإنفاق لا يضمن جودة فعلية في الفصول أو التدريس.
ثغرات عملية لا تُدار بالإعلانات
الانتقال من "ثانوية تقليدية" إلى "بكالوريا مشابهة للأجنبية" يحتاج لأدوات: تدريب آلاف المعلمين على مناهج ومسارات جديدة، تجهيز معامل وبرمجيات، تعديل كراس الامتحان وآليات التصحيح، وتأمين إنصاف الطلاب في محافظات تفتقد للإنترنت والألواح الإلكترونية.
لكن تصريحات الوزارة اقتصرت على وصف النظام ومزاياه النظرية مع غياب جدول زمني واضح لتدريب المعلمين أو آليات ضمان تكافؤ الفرص بين طلاب الريف والحضر، ما يجعل الإعلان أقرب إلى تبريد إعلامي منه لإصلاح جوهري.
التناقضات الداخلية في نظام التعليم الحالي
يُظهر نظام التعليم المصري الحالي تناقضات كبيرة، منها أن الطالب يملك خيارًا بين النظام القديم (الثانوية العامة) والنظام الجديد (البكالوريا)، مع عدم وضوح الرؤية المستقبلية لكل منهما، مما يخلق حالة من الارتباك والتشتت للطلاب وأولياء الأمور، بينما يروج النظام إلى أن الطالب يستطيع الالتحاق بأي جامعة بالكالوريا مثل الثانوية العامة، رغم عدم تساوي المشاريع التعليمية بين النظامين.
منطق الخصخصة والرسوم المخفية
من اللافت أن الوزارة ألمحت إلى آلية دفع 200 جنيه كقيمة امتحان تحسين، وهو ما يفتح باباً لمزيد من الرسوم المقطعية على الطلاب ذوي الدخل المحدود إذا ما توسّع هذا النهج.
الإعلان عن مثل هذه الرسوم في ظل تزايد الأعباء المعيشية يثير مخاوف من تحويل التعليم حقًا عامًا إلى سلعة يمكن تحسينها بالمال، ما يفاقم تفاوت الفرص.
تصورات سياسية.. لماذا تُطرح الآن هذه النسخة؟
طرح "نظام البكالوريا" بهذا الشكل في سياق تواصل حملات الدعاية الحكومية للتحديث والتحول الرقمي يطرح سؤالًا واضحًا: هل الهدف تربوي أم سياسي؟ في سياق حكم مركزي يواجه انتقادات اقتصادية واجتماعية، يصبح الإعلان عن "بكالوريا تشبه الأجنبية" أداة تعريفية للنظام بأنها مبادرة إصلاحية دولية المظهر، بينما قد تُبقى جذور المشكلات سوء توزيع الموارد، نقص المعلمين المؤهلين، وفجوات التعليم في المحافظات دون معالجة فعلية.
تصريح المتحدث هنا يعمل كستار إعلامي يغطي فشل سياسات أوسع في إدارة الدولة.
بعض المعلمين والخبراء التربويين أعربوا عن قلقهم عبر منصات متخصصة وعن مجموعات نقابية غير رسمية حول عدم جاهزية المناهج والامتحانات التراكمية لطلاب يفتقرون للبنية التحتية والموجهين المؤهلين.
التحذير الأكثر وضوحاً أن أي تغيير جذري دون مرحلة انتقالية واقعية يزيد من مخاطر فشل طلاب السنة الأولى والثانية والثالثة ويعيد إنتاج أزمة ثانوية عامة بصيغة جديدة.
إصلاح أم تزييف؟
في وقتٍ يحتاج فيه التعليم إلى إصلاحات فعلية؛ تحسين أجور المعلمين، توزيع عادل للموارد، بنى تحتية رقمية متاحة لكل طالب، وبرامج تدريب طويلة المدى، تأتي تصريحات شادي زلطة كعبارة تسويقية أكثر منها خارطة طريق.
إن المطالبة بنظام يشبه الأجنبي ليست مشكلة بذاتها، لكن المشكلة أن النسخ المعلنة جاءت قبل حل المشكلات الأساسية ولذلك على صانعي القرار أن يقدّموا جدولاً زمنياً واضحاً، أرقاماً مفصّلة لميزانيات التدريب والتجهيز، واستجابة ملموسة لنداءات المعلمين والآباء قبل أن يتحول الإعلان إلى وسيلة لإعادة تلميع صورة حكمٍ فشل في إدارة الملفات الأساسية للدولة