قالت قناة “كان” العبرية الرسمية، السبت، إن “إسرائيل حاولت اغتيال الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة، في غارة على منطقة غزة”. وأضافت القناة في نبأ عاجل أن الجيش الإسرائيلي استهدف “قياديًا مركزيًا في حركة حماس بمدينة غزة” شمالي القطاع، دون تقديم مزيد من التفاصيل حول الحادثة.

وأكد الجيش الإسرائيلي في بيان له أنه “نفّذ الهجوم بواسطة طائرات سلاح الجو بالتعاون مع جهاز الشاباك وقيادة المنطقة الجنوبية، وبتوجيه من شعبة الاستخبارات العسكرية”. وقال إن “العملية استُخدمت فيها ذخائر دقيقة، إضافة إلى متابعة جوية وجمع معلومات استخباراتية أثناء تنفيذ الهجوم”.

وأفادت التقارير الإسرائيلية بأن الهجوم استهدف أحد المواقع التي يُعتقد أن أبو عبيدة يتواجد فيها، في محاولة لقتل أحد أبرز قادة المقاومة.

والسبت، استهدفت غارة إسرائيلية مبنى سكنيا بحي الرمال غربي مدينة غزة ما أسفر عن استشهاد سبعة فلسطينيين وجرح العديد بينهم أطفال.

https://x.com/TamerMisshal/status/1961805223719993700

https://x.com/ahmadibraa123/status/1961816799105761645

من جانبها، لم تؤكد أو تنفي كتائب القسام خبر الهجوم، إلا أن مصادر مقربة من الحركة أكدت أن أبو عبيدة لم يكن في الموقع المستهدف، مشيرة إلى أن محاولات الاحتلال لاغتيال القادة الفلسطينيين لن تؤثر على عزم المقاومة في مواصلة الجهاد ضد الاحتلال.

 

الناطق باسم الشعوب العربية

باتت قطاعات واسعة من الشعوب العربية ترى في أبي عبيدة ناطقًا باسمها هي أيضًا، إذ صعد نجم الرجل صعودًا صاروخيًا وصار انتظار خطاباته طقسًا أساسيًا في البلاد العربية، مع ارتباط عاطفي واضح به، تحوَّل معه إلى الأيقونة الأشهر للحرب الجارية التي بدأت بعملية "طوفان الأقصى"، يوم السابع من أكتوبر 2023.

في مصر صُنِعَت لأبي عبيدة أغانٍ شعبية، وفي عمَّان يتوقف الشباب في الصالات الرياضية عن أداء التمارين لمتابعة خطاباته وتنشر المساجد ما يقوله بمكبرات الصوت، وفي البِقاع بلبنان تضمنت أسئلة الامتحانات في المدارس اسمه، وانتشرت صورة في شوارع بيروت وقد كُتب عليها "الناطق باسم الأمة"، بينما يتنافس الأطفال في الجزائر على تأدية دوره في مسرحياتهم وألعابهم، وحتى في تركيا صار تقليد أبي عبيدة لعبةً للأطفال فضلا عن تعليق صوره في بعض المقاهي. وقد انتشرت الصور على مواقع التواصل الاجتماعي لأطفال صغار من مختلف البلاد العربية وهم يتابعون خطاباته أو يقلدونه، وكذلك صور أخرى لعجائز يقفون بإجلال رغم مرضهم وهم يُشاهدون خطابه احتراما له.

 

الدور الإعلامي

منذ عام 2005 تُولِي المقاومة الفلسطينية أهمية متزايدة للدور الإعلامي، وقد اهتمت القسام منذ وقت مبكر بإنشاء دائرة الإعلام العسكري وقطعت أشواطا كبيرة في هذا الصدد، سواء بتطوير المحتوى وصياغته، أو بالتطوُّر التقني وتصوير العمليات العسكرية وغير ذلك. وقد اختار إعلام القسام العسكري منذ البداية أن تكون سماته هي الدقة والمباشرة والإيجاز. وهذا ما جعل ظهور الناطق العسكري أبي عبيدة أمرا منتظرا من الجماهير العربية، لأنهم لا يشعرون أنه يخرج إلا حين تقتضي الحاجة بذلك.

بيد أنه لا يمكن تفسير الشعبية الجارفة التي حصل عليها أبو عبيدة هذا العام بمهارات التواصل التي يمتلكها وحدها. حيث جيَّش "طوفان الأقصى" مشاعر الشارع العربي حتى فاضت وأرادت مَصَبًّا لها، ولذا انتظرت الجماهير "رسولا" ينقل أشواقها للمقاومين وينقل لها أخبارهم وانتصاراتهم على الأرض. فلمَّا وجدوا أبا عبيدة ناقلا أنباء مقاومي المُحتلين اعتبروه رمز المقاومة دون أن يعرفوا شخصه مباشرة، واعتبروا حبه وتكريمه حبا وتكريما للمقاومين.

لكن الأمر لا يقف عند الارتباط بوسيلة اتصال مع المقاومة، فقد استطاع أبو عبيدة أن يلعب دورا فاعلا على المستوى الإعلامي يتجاوز مجرد نقل رسائل القسام. فإذا ما تتابعت الأخبار السيئة حول جرائم الاحتلال في غزة، يَصِف الكثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي أبا عبيدة بأنه "مُهدِّئ عصبي"، إذ هو قادر على امتصاص القلق وبث الأمل في الناس دون أن يدَّعي أخبارا وهمية أو مُفبرَكة. ورغم صعوبة الموقف تحت نيران الاحتلال، فإن أبا عبيدة يأخذ في الاعتبار دائما كيفية التعامل النفسي بكلماته مع المستمعين العرب، مازجا بين الشحنة العاطفية واللغة الرصينة. ولربما يكون هذا أحد المفاتيح المهمة لفهم العلاقة الاستثنائية التي تشكَّلت بين المُلثَّم والشارع، إنه الاحترام المكون من شقين، أولهما الحرص على المشاعر، وثانيهما الصدق.

 

رأس حربة الحرب النفسية

وعادة ما تشتمل خطابات الرجل، الذي يُوصَف بأنه رأس حربة الحرب النفسية على دولة الاحتلال، على تثقيف موضوعي بمجريات المعركة، ورسائل بلاغية دقيقة الصياغة للأطراف المختلفة، ولا تخلو كلماته أيضا من الرسائل ذات الطابع الساخر، وأشهرها حين قال: "إلى زعماء وحكام أمتنا العربية، نقول لكم من قلب المعركة التي تشاهدون ولا شك تفاصيلها عبر شاشاتكم، إننا لا نطالبكم بالتحرك لتدافعوا عن أطفال العروبة والإسلام في غزة من خلال تحريك جيوشك ودباباتكم لا سمح الله، ولا أن تدافعوا عن أقدس مقدساتكم التي تنتهك فيها الحرمات من قبل شذاذ الآفاق". حتى أصبحت لفظة "لا سمح الله" منتشرة بطول مواقع التواصل وعرضها ومضربا للمثل في سياقات التخاذل.

أما أخيرا، والأهم من كل ذلك كما يقول محللون، فإن أبا عبيدة لا يكذب على المواطن العربي كما اعتادت خطابات الزعماء، فعلى مدار مسيرته في التحدُّث باسم القسام قبل "طوفان الأقصى"، نادرا ما ذكر أبو عبيدة معلومة افتقدت للدقة، حتى بات بعض المعلقين الإسرائيليين على مواقع التواصل الاجتماعي يشيرون إلى أنهم يثقون بخطابات أبي عبيدة أكثر من خطابات جيشهم. وبذلك، بات "الملثم" وسيط العالم لمعرفة مواقف المقاومة في غزة ومجريات المعركة، سواء في إسرائيل، أو العالم العربي الذي بات فيه الوسيط المباشر، سواء عبر خطاباته المتلفزة التي تُنشر عادة على قناة الأقصى التابعة لحركة حماس، أو عبر قناته على تطبيق تلغرام، كما أن خطاباته لا تلبث إلا أن تُبث سريعا على القنوات الفضائية المختلفة مباشرة عقب صدورها.

 

جريمة حرب

وقالت حركة حماس في بيان إن “جريمة استهداف المبنى السكني في حي الرمال تأتي في إطار خطط الاحتلال لتدمير مدينة غزة وتهجير سكانها قسرًا”. واعتبرت الحركة أن استهداف المبنى “جريمة حرب مكتملة الأركان يُجاهر الاحتلال في الإعلان عن تنفيذها أمام مرأى ومسمع العالم”.

وأضافت حماس أن “الغارة الإجرامية التي نفّذها جيش الاحتلال على البناية السكنية المأهولة في حي الرمال المكتظ بالسكان والنازحين غرب مدينة غزة تمثل إمعانا في حرب الإبادة وتصعيدا وحشيًا في استهداف المدنيين الأبرياء، بهدف إرهابهم وإجبارهم على إخلاء المدينة”.

ودعت الحركة المجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية والأمم المتحدة إلى “التدخل الفوري لوقف العدوان على غزة، واتخاذ إجراءات رادعة ضد الاحتلال، ومحاسبة قادته على جرائمهم”.

وأمس الجمعة، توعد أبو عبيدة إسرائيل بأن أي خطة لاحتلال مدينة غزة ستُواجه بمقاومة شديدة يدفع ثمنها الجيش الإسرائيلي من “دماء جنوده”، مؤكدا أن الأسرى الإسرائيليين لديها سيتواجدون في مناطق القتال جنبًا إلى جنب مع مقاتلي القسام.