شهدت الساحة الإعلامية خلال الأيام الأخيرة أزمة جديدة تسلّط الضوء على واقع حرية الصحافة والتعبير في البلاد، بعدما ألقت قوات الأمن القبض على الصحفي إسلام الراجحي العامل بجريدة "الأخبار"، إثر تدوينة نشرها عبر صفحته على فيسبوك انتقد فيها تراكم القمامة في قريته وتقاعس مسؤولة محلية عن أداء مهامها.
الواقعة التي أثارت جدلاً واسعًا بين الصحفيين والحقوقيين جاءت لتؤكد أن سقف التعبير عن الرأي بات يواجه قيودًا مشددة، إذ فوجئ الراجحي بإحالته مباشرة إلى محكمة الجنايات، وصدر بحقه حكم غيابي وصفه بـ"الهارب"، في مشهد اعتبره مراقبون استمرارًا لنهج تكميم الأفواه وإخراس الأصوات المستقلة.
رد فعل النقابة ومحاولة التدخل
من جانبه، تقدّم الكاتب الصحفي خالد البلشي، نقيب الصحفيين، صباح الاثنين 25 أغسطس 2025، بطلب عاجل إلى النائب العام لإخلاء سبيل الزميل، مؤكدًا أن استدعاءه لم يتم وفق الإجراءات القانونية المعتادة، وأن الحبس الاحتياطي في حالته يفتقد للمبررات لامتلاكه محل إقامة ثابت وعضوية نقابية تضمن حضوره.
وأضافت النقابة في بيانها أن توقيف الراجحي جاء عقب مشاجرة عابرة، قبل أن يُفاجأ بقرار الضبط والإحضار الصادر بحقه على خلفية شكوى من موظفة بالإدارة المحلية. وأشارت إلى أن القضية دارت بين المحكمة الاقتصادية التي أعلنت عدم اختصاصها، ثم أحيلت إلى محكمة الجنايات.
وأعلنت النقابة تكليف محامين لمتابعة القضية والتظلم من قرار الحبس، مؤكدة أن استمرار احتجاز الصحفيين على هذا النحو يمثل عقوبة مقنّعة لا تتوافق مع أبسط معايير العدالة.
صورة أوسع: حرية الصحافة
تأتي قضية الراجحي لتضاف إلى سلسلة من الانتهاكات الممنهجة ضد الصحافة، إذ تشير تقارير حقوقية إلى وجود 22 صحفيًا على الأقل رهن الاعتقال بينهم من يقضي شهورًا أو سنوات في الحبس الاحتياطي دون محاكمة، وآخرون صدرت ضدهم أحكام من محاكم استثنائية مثل "أمن الدولة".
ويحتل المشهد الصحفي موقعًا متأزمًا دوليًا، حيث جاءت في المرتبة 170 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2025 الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، لتستمر بين أسوأ عشر دول عالميًا من حيث بيئة العمل الصحفي. كما أدرجت لجنة حماية الصحفيين (CPJ) مصر ضمن أكثر ست دول عالميًا في عدد الصحفيين السجناء.
قضايا مشابهة: مقاضاة الصحف بدلًا من الحوار
لم تتوقف أزمة حرية الصحافة عند واقعة الراجحي، فقبل أيام قليلة أعلنت وزارة النقل رفع دعوى قضائية ضد صحيفة "فيتو" بسبب نشرها ملفًا صحفيًا بعنوان: "جمهورية المستشارين.. حكومة في الظل تكلف الملايين وتساؤلات حول جدوى مهامهم".
الملف تناول ظاهرة المستشارين في وزارة النقل وتكلفتهم الباهظة على ميزانية الدولة، ما أثار غضب الوزير كامل الوزير، الذي تقدّم بشكوى للمجلس الأعلى للإعلام وبلاغ للنائب العام.
لكن نقيب الصحفيين خالد البلشي علّق معتبرًا أن اللجوء للقضاء لمواجهة النقد يرسل رسائل سلبية عن ضيق صدر المسؤولين، مشددًا على أن الطريق الأمثل هو الرد والتوضيح بدلًا من الملاحقة.
الوزير يسحب البلاغ
في خطوة لاحقة، أعلنت نقابة الصحفيين أن كامل الوزير بادر بسحب بلاغه ضد صحيفة "فيتو"، وأشاد البلشي بهذه الخطوة، داعيًا إلى أن تصبح نموذجًا يُحتذى في العلاقة بين الصحافة والسلطة، ومؤكدًا أن تعزيز حرية تداول المعلومات وإقرار قانون خاص بذلك هو السبيل الوحيد لتقليل الاحتقان وفتح مساحات للرأي والرأي الآخر.