في وقت يشتعل فيه الغضب الشعبي حول العالم بسبب المجازر والانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، تتصدر شركات كبرى مثل "كارفور" قائمة المقاطعة الشعبية.
فالشركة التي اتُّهمت صراحة بدعم الاحتلال الإسرائيلي، سواء عبر توريد منتجات أو دعم لوجستي غير مباشر، تواجه اليوم أزمة غير مسبوقة.
أزمة تجسدت في انهيار الأرباح، وانكماش حصتها السوقية في عدد من الدول، وصولًا إلى الخروج من أسواق كانت تاريخيًا قوية بالنسبة لها.
الإبادة في غزة والمقاطعة العالمية
منذ أكتوبر 2023، وبعد بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، اندلعت موجة غضب شعبي واسعة ضد الشركات الداعمة لإسرائيل.
وكانت "كارفور" في مرمى هذه الحملات بسبب ارتباطها بتوريد منتجات إلى المستوطنات وتعاونها مع شركات إسرائيلية، ما دفع منظمات BDS (حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات) إلى إطلاق حملة مركزة ضدها.
هذه الحملة لم تقتصر على العالم العربي، بل امتدت إلى أوروبا وأمريكا اللاتينية، حيث أصبح شعار "لا تشتري من كارفور" جزءًا من التظاهرات والاحتجاجات التي تطالب بوقف الدعم المادي والمعنوي للاحتلال الذي يمارس سياسات التجويع في غزة.
الخسائر تتراكم في أوروبا
الأرقام تعكس حجم الأزمة.
أرباح كارفور الصافية هوت من 1.66 مليار يورو إلى 723 مليون يورو خلال عام واحد، أي أكثر من نصف أرباحها تبخرت.
ورغم محاولة الإدارة تبرير ذلك بالتضخم وتكاليف التشغيل، يرى محللون أن تأثير المقاطعة كان حاسمًا، خاصة في الأسواق الأوروبية التي تشهد وعيًا متزايدًا بالقضية الفلسطينية.
فرنسا – المعقل الأساسي لكارفور – شهدت دعوات صريحة لمقاطعة الشركة، وصلت إلى بوابات متاجرها حيث نظم ناشطون وقفات احتجاجية ووزعوا منشورات تفضح ارتباط كارفور بإسرائيل.
وفي بريطانيا وإسبانيا، ظهرت حملات رقمية قوية على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو المستهلكين إلى استبدال كارفور بسلاسل منافسة لا تتورط في دعم الاحتلال.
الخروج من أسواق استراتيجية
قرار كارفور الأخير ببيع نشاطها في إيطاليا، والذي يشمل 1,188 متجرًا، جاء في ظل خسائر تشغيلية قُدرت بـ67 مليون يورو وتدفقات نقدية سلبية وصلت إلى 180 مليون يورو.
ورغم أن الشركة وصفت هذه الخطوة بأنها "إعادة هيكلة"، فإن تزامنها مع خسائر المقاطعة العالمية يجعل من الصعب تجاهل الرابط بين الحدثين.
ليس هذا فحسب، بل إن كارفور أغلقت متاجرها بالكامل في الأردن وسلطنة عُمان تحت ضغط المقاطعة الشعبية، وهو ما اعتبرته منظمات BDS انتصارًا تاريخيًا، مؤكدة أن هذه الخطوات تثبت أن حملات المقاطعة قادرة على هز كيانات اقتصادية كبرى عندما يتعلق الأمر بجرائم الإبادة.
الإبادة والتجويع… ثمن تدفعه الشركات
في الوقت الذي يتعرض فيه أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في غزة لحصار خانق وتجويع متعمد، يرى ناشطون أن الشركات التي توفر دعمًا ماديًا أو خدماتيًا للاحتلال تتحمل جزءًا من المسؤولية.
ومن هنا، تحوّلت "كارفور" إلى رمز للمساءلة الاقتصادية، ودفعت ثمن ارتباطها بالاحتلال في صورة تراجع حاد في الأرباح وخسارة ثقة المستهلكين.
هل ينجح الضغط الشعبي في فرض معادلة جديدة؟
المقاطعة اليوم لم تعد مجرد فعل احتجاجي محدود، بل أصبحت أداة ضغط اقتصادية فعّالة، تغيّر موازين القوى في الأسواق.
وإذا كانت "كارفور" – بكل قوتها وحجمها – رضخت لهذا الضغط في أسواق عربية وغربية، فإن السؤال المطروح الآن هو: هل يستمر النزيف المالي للشركة ما دامت الإبادة في غزة مستمرة؟
كل المؤشرات تقول إن الشركات التي تربط مصيرها بالاحتلال الإسرائيلي ستظل تحت حصار المستهلكين، وربما تدفع أثمانًا أكبر في المستقبل، خاصة مع تصاعد الغضب العالمي من جرائم الحرب ومشاهد تجويع المدنيين في غزة.