صادق عبد الفتاح السيسي خلال أسبوع واحد على قانونين يشرعان لتقنين التصرف في أملاك الدولة العامة والخاصة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من أزمة مالية طاحنة، وديون خارجية تجاوزت 160 مليار دولار، وسط ضغط متزايد من صندوق النقد الدولي لاستكمال برنامج "التخارج" من الأصول والشركات العامة.

القانون الأول (170 لسنة 2025) يخص ملكية الدولة في الشركات المملوكة لها أو التي تساهم فيها، ويتيح وفق النص الرسمي إنشاء "وحدة حصر" لتقييم الأصول والتصرف فيها بالبيع أو الطرح بالبورصة أو بزيادة رأس المال أو تقسيم الشركات ودمجها، بما يمهد لخروج الدولة من أنشطة وصناعات عديدة.

أما القانون الثاني (168 لسنة 2025) فيتعلق بأملاك الدولة الخاصة، ويحدد آليات بيعها أو تأجيرها أو منح حق الانتفاع بها، بما في ذلك الأراضي الزراعية والسكنية والصناعية، مع منح صلاحيات واسعة لوزارة الدفاع وصندوق مصر السيادي في إدارة تلك الأصول، وهو ما أثار موجة من المخاوف حول مستقبل أراضي الدولة وخاصة تلك المطلة على نهر النيل.
 

بيع بالجملة وخصخصة تحت الضغط
الخطوة تأتي في سياق التزامات القاهرة مع صندوق النقد الدولي، الذي يربط استمرار صرف القرض البالغ 8 مليارات دولار باستكمال التخارج من الشركات المملوكة للدولة والجيش.

وبحسب مصادر حكومية، تستعد الحكومة لطرح ما لا يقل عن 30% من بنك القاهرة، وشركتي "صافي" و"وطنية" التابعتين لجهاز الخدمة الوطنية، في البورصة خلال الفترة بين أغسطس وسبتمبر المقبلين، في إطار برنامج أوسع يشمل 11 شركة حكومية إضافية خلال العام المالي 2025-2026.

ولم يكن ذلك جديداً؛ فمنذ 2022، باعت الحكومة حصصاً متفاوتة في أكثر من 10 شركات كبرى، بينها "الحديد والصلب – عز الدخيلة"، وشركات بترول لصالح "أبوظبي القابضة"، إضافة إلى حصص في سبعة فنادق تاريخية لصالح مجموعة طلعت مصطفى، وحصة 30% من "المصرف المتحد".
 

الأراضي على النيل.. الهدف المقبل
التشريع الجديد تزامن مع إعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن خطة لحصر وتقييم جميع أراضي الدولة المطلة على النيل بالقاهرة والجيزة والقليوبية، تمهيداً لاستغلالها استثمارياً.
وقدّر مدبولي قيمتها بـ"عشرات المليارات من الجنيهات".
هذا التصريح، إلى جانب نصوص القانون الجديد، أثار المخاوف من عمليات إخلاء واسعة وضخ أراضٍ استراتيجية في "صندوق مصر السيادي"، ثم طرحها أمام مستثمرين خليجيين، خاصة مع وجود سوابق مشابهة في "جزيرة الوراق" ومناطق "طرح البحر" على كورنيش النيل.
 

وسط القاهرة.. قلب العاصمة للبيع
في الوقت نفسه، أنهى صندوق مصر السيادي عمليات تقييم أصول منطقة وسط القاهرة، بما في ذلك مباني الوزارات التي أُخليت بعد الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة.

التقييم شمل وحدات سكنية بسعر يتراوح بين 20 و28 ألف جنيه للمتر، ووحدات إدارية تزيد 30% عن ذلك، وعقارات تجارية بسعر يصل إلى 120 ألف جنيه للمتر، ما يفتح الباب أمام استثمارات عقارية وسياحية كبرى تهدد الطابع التاريخي للمنطقة.
 

خبراء: النظام مأزوم ويبيع بثمن بخس
الخبير الاقتصادي مصطفى يوسف اعتبر أن النظام "مأزوم"، وأنه يلجأ لبيع الأصول "بأثمان بخسة" لتغطية العجز المتفاقم في الموازنة وخدمة الديون، مشيراً إلى أن فوائد الديون تلتهم أكثر من 70% من إيرادات الدولة.

يوسف كشف أن العجز في موازنة 2025-2026 سيصل إلى 1.5 تريليون جنيه (30 مليار دولار)، بخلاف أقساط الديون. وأوضح أن "النظام عاجز عن إلزام المؤسسة العسكرية ببيع شركاتها، ما يجعل الأصول المدنية والرابحة هدفاً سهلاً للبيع للأجانب أو لجهات سيادية محلية".

وأضاف أن الدين الداخلي ارتفع من 1.2 تريليون جنيه عام 2013 إلى 13.3 تريليون بنهاية 2024، بينما قفز الدين الخارجي من 43 مليار دولار إلى أكثر من 156 مليار دولار، مرجحاً أن يتجاوز 200 مليار دولار بحلول 2030.

على الجانب الآخر، يتخوف مصريون من أن يؤدي القانون الجديد إلى تهديد مباشر لمصادر رزق آلاف العمال، عبر تسريحهم بعد بيع الشركات، فضلاً عن فقدان السيطرة الوطنية على أصول استراتيجية.

وفي ظل غياب الشفافية، واحتكار جهات سيادية لإدارة عمليات البيع، يخشى مراقبون أن يتحول المشهد إلى تصفية شاملة لممتلكات الشعب، تُباع خلالها الأصول الرابحة والأراضي المميزة لصالح مستثمرين خليجيين أو لمؤسسات عسكرية، فيما يبقى المواطن المصري الخاسر الأكبر.