شهدت مصر أول أزمة مجتمعية كبرى بعد أيام من تصديق عبد الفتاح السيسي، في أغسطس الجاري، على قانون "الإيجار الجديد" (164 لسنة 2025)، حيث اندلعت مشاجرة دامية بين مالك ومستأجر في مدينة كرداسة بمحافظة الجيزة، ما أسفر عن إصابة خمسة أشخاص بالخرطوش والأسلحة البيضاء، بينهم المالك والمستأجر واثنان من المارة.

الحادثة التي وقعت في إحدى شقق "الإيجار القديم"، جاءت لتجسد على أرض الواقع المخاوف التي طرحها معارضو القانون منذ إقراره، وسط تحذيرات من خطورته على الأمن العام والسلم الأهلي.
 

من "الضريبة العقارية" إلى "الإيجار الجديد"
تعود ذاكرة المصريين إلى 5 مايو 2008، حين أقر الرئيس المخلوع حسني مبارك قانون "الضريبة العقارية" رقم (196 لسنة 2008)، الذي أثار مخاوف واسعة بشأن المسكن، وأطلق غضبًا شعبيًا نقل القضية من أروقة الأحزاب إلى بيوت المصريين.

واليوم، وبعد إقرار القانون الجديد، يتكرر المشهد ذاته؛ إذ يعيش الشارع المصري حالة انقسام حاد: غضب وسخط لدى المستأجرين، في مقابل احتفالات وأفراح بين الملاك.
 

أبرز بنود القانون المثير للجدل
ينص القانون على انتهاء عقود الإيجار القديمة للوحدات السكنية بعد 7 سنوات من تاريخ العمل به، وللوحدات غير السكنية بعد 5 سنوات، مع زيادة القيمة الإيجارية بنسبة 15% سنويًا خلال تلك الفترة.

ويتيح القانون للمستأجرين – ممن تنطبق عليهم الشروط – طلب وحدة بديلة من الدولة، سواء بنظام الإيجار أو التمليك.

لكن هذه البنود أثارت قلق ملايين الأسر التي تواجه خطر الإخلاء بعد سنوات قليلة، وسط عجزها عن مواكبة أسعار السوق الحالية.
https://www.facebook.com/hany.tawfik2/posts/24074390055537107?ref=embed_post
 

قرارات حكومية ومحاولات للتهدئة
ووفق قرار حكومي صدر الأربعاء الماضي، بدأت لجان متخصصة بحصر أعداد المستأجرين المتضررين من القانون، ومعظمهم من الفقراء وكبار السن وأصحاب المحلات التجارية والورش. كما أعلنت الحكومة عن بدء تلقي طلبات الحصول على وحدات بديلة في أكتوبر المقبل.
https://www.facebook.com/EgyptianCabinet/posts/1309509621219455?ref=embed_post
 

أرقام تكشف حجم الأزمة
بحسب آخر تعداد سكاني (2017)، يبلغ عدد الوحدات الخاضعة للإيجار القديم نحو 3 ملايين و19 ألف وحدة، أي ما يقارب 7% من إجمالي الوحدات السكنية (42 مليون).

منها 1.879 مليون وحدة سكنية، بينها 1.1 مليون وحدة في القاهرة وحدها. ويمس القانون حوالي 1.643 مليون أسرة، أي ما يعادل 6 ملايين نسمة تقريبًا.
 

انتقادات ومخاوف
حذر معارضو القانون من تداعياته على الأمن العام، معتبرين أن الإخلاء سيؤدي إلى تشريد آلاف الأسر وزيادة حالة الاحتقان الاجتماعي.
https://www.facebook.com/mrwbdalslam.751419/posts/1992188181552416?ref=embed_post

في المقابل، يرى مراقبون أن الحكومة تسعى من خلال القانون إلى السيطرة على ثروة عقارية ضخمة تُقدَّر قيمتها بتريليون جنيه، من خلال فرض ضرائب جديدة على تلك الوحدات بعد أن كانت معفاة.

ويتوقع خبراء الضرائب زيادة حصيلة الدولة بنحو 15 مليار جنيه في العام الأول من تطبيق القانون.
 

مشاهد من "منية السيرج".. قصص إنسانية بين البقاء والرحيل
في جولة ميدانية بمنطقة "شبرا مصر"، حيث الكثافة السكانية العالية وتاريخ الإيجار القديم، نُقلت شهادات متباينة بين المستأجرين والملاك.

أم صابر: تعيش في شقة متهالكة منذ ثمانينيات القرن الماضي مع ابنتها المطلقة وعمها. تقول: "المشكلة في مَن سيتم تعويضه عند ترك الشقة.. أنا أم ابنتي أم عمها؟". وتلمّح إلى أن بعض الأسر استعانت ببلطجية لطرد شركائهم في السكن حتى يحصلوا على شقق بديلة.

الحاج رضا: مالك خمسة بيوت، لا يتجاوز دخله منها 5 آلاف جنيه. يؤكد أن القانون الجديد "فرصة لاستعادة حقوقنا"، لكنه يتوقع "مشاجرات وأزمات كبيرة خلال السنوات المقبلة".

الباحث مصطفى خضري، رئيس مركز "تكامل مصر"، حذر من أن القانون قد يقود إلى "تصاعد النزاعات والاشتباكات، وخطر التشريد القسري لملايين الأسر"، ما قد يهدد الاستقرار العام ويفجّر احتجاجات واسعة. وأشار إلى أن 1.6 مليون أسرة مهددة بالطرد، معظمها من ذوي الدخل المحدود والمتوسط، وكبار السن، والأرامل، والأيتام.

كما لفت إلى خطورة "عودة بعض الورثة اليهود الذين تركوا مصر في الخمسينيات والستينيات للمطالبة بعقاراتهم عبر قضايا تحكيم دولية، وهو ما قد يمنح الكيان الصهيوني منفذًا للسيطرة على مناطق حيوية في القاهرة مثل وسط البلد".