في خضم النقاش الدولي حول مستقبل سكان قطاع غزة، نقلت وكالة الأنباء الإيطالية Agenzia Nova  في تقارير نُشرت في 29 مايو وتابعت عليها تغطيات خلال أغسطس 2025، أن مصادر وصفتها الوكالة بأنها مطلعة أفادت بعرض من قائد قوات شرق ليبيا، خليفة حفتر، بمنح الجنسية الليبية لما يصل إلى نحو مليون فلسطيني في حال ترحيلهم من قطاع غزة إلى ليبيا، مقابل منح حفتر «حرية أوسع» في إدارة موارد النفط والسيطرة على مفاصل السلطة الليبية.

المصدر أشار أيضًا إلى أن جزءًا من المشروع يُدعى أنّه يحظى بدعم أمريكي وعملية وساطة تركية. هذه الأنباء أثارت فورًا ردود فعل محلية وإقليمية ومخاوف إنسانية وقانونية.

التواطؤ الدولي.. مَنْ المستفيد؟ ولمصلحة من؟

السيناريو المرسوم في تقارير نوفا يصوّر شبكة مصالح إقليمية ودولية: من جانب، تُطرح فكرة «حلّ ديموغرافي» ينقل ألوفاً من الفلسطينيين إلى خارج أرضهم؛ ومن جانب آخر، تُعرض فوائد سياسية واقتصادية لجهات مسلحة محلية مثل حفتر التي تطمح إلى شرعنة سيطرتها على الثروة النفطية.

التقارير ذكرت أسماءً ومواقف متفرقة بينها تصريحات لمسؤولين إسرائيليين (بحسب نوفا نقلًا عن تصريحات مثل ما نسبته للوزير آفي ديختر) التي اعتبرت ليبيا «الوجهة المناسبة» لإعادة توطين أعداد كبيرة من الفلسطينيين، وهو ما اعتُبر استفزازًا ودفع لأسئلة عن من يدعّم هذه الخطة عمليًا وسياسيًا.

هل الخطة ممكنة؟

حتى لو كانت مجرد فكرة، فالأرقام تكشف عن استحالة إنسانية وسياسية، ليبيا دولة يبلغ عدد سكانها نحو 7.3 مليون نسمة، وتُقدّر المنظمات الدولية تواجد أكثر من 800 ألف مهاجر وغير نظامي على أراضيها، وفق بيانات منظمة الهجرة الدولية المذكورة في تقارير النوفا.

استقبال مليون فلسطيني إضافي سيشكل ضغطًا هائلاً على البنية التحتية والخدمات ويعيد تشكيل التوازن السياسي والقبلي في ليبيا، أي خطة بهذا الحجم تحتاج آلاف الرحلات البحرية والجوية وبنية لوجستية هائلة، ما يجعلها أكثر شبهًا بمشروع جيوسياسي منه بخطة إنسانية.

أين يقف السيسي؟

يواجه قائد الانقلاب العسكري المصري عبد الفتاح السيسي منذ سنوات اتهامات داخليًا وخارجيًا بدعم سياسات استبدادية وتوظيف أدوات الدولة ضد الحقوق والحريات.

أي مسعى لإعادة توطين فلسطينيين إلى دول الجوار أو أبعد منه قد يستلزم موافقات وتعاونًا دبلوماسيًا إقليميًا، وهو ما يطرح سؤالًا ملحًا: هل لدى القاهرة دورُ تواطؤ أو موافقة ضمنية؟ حتى الآن لا توجد دلائل رسمية علنية تُثبت مشاركة مباشرة من الدولة المصرية في مشروع مشابه، لكن النصوص السياسية للدول الإقليمية ومعادلات القوة الراهنة تجعل احتمالية تلاقي المصالح بين أنظمة سلطوية في المنطقة أمرًا يُستدعى القلق بشأنه.

(ملاحظة: السفارة الأمريكية في طرابلس نفت في بيان لاحق صحة بعض الأنباء حول خطة أمريكية لنقل فلسطينيين إلى ليبيا ووصفَتها بأنها «شائعات»).

انتهاك أساسيات القانون الدولي

تهجير أو نقل سكان قسريًا من منطقة احتلال أو حرب يندرج تحت قواعد صارمة في القانون الدولي الإنساني وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة باللاجئين والتهجير القسري.

منح «تجنيسٍ» مشروط بالمقابل السياسي أو الاقتصادي يشبه تحويل المدنيين إلى رهن تبادلي لصالح تحالفات مسلحة وهو ما يضع علامات استفهام حول شرعية أي «توطين» يُفرض أو يُصاغ خارج إطار حقوق اللاجئين وحق العودة.

منظمات حقوقية حذّرت سابقًا من أن أي خطة ترحيل واسعة ستؤدي إلى كارثة إنسانية جديدة.

مَن يصطف مع مَن؟

التقارير نقلت أيضاً عن أطراف تُقَدِّم نفسها كوسطاء أو داعمين: واشنطن تُتهم من مصادر بتوفير «غطاء» لمخططات إعادة التوطين تحت ذريعة «حلول إنسانية»، بينما تُذكر تركيا وروسيا وأحيانًا دول خليجية في سياق مصالح جيوسياسية إما للنفوذ الإقليمي أو للاستثمارات أو الترتيبات الأمنية.

هذه الخريطة تُشير إلى أن أي قرار بخصوص مصير شعب كامل لن يكون محليًا فحسب، بل ساحة تنافس للاعبين إقليميين ودوليين.

النتائج المباشرة

الخاسر الأكبر سيكون الفلسطينيون؛ فقدان الأرض والذاكرة والحق في العودة وتفتيت النسيج الاجتماعي والسياسي.

مَن قد يربح قصير المدى هم أمراء حرب محليون (كما حفتر) الذين قد يستخدمون ملف السكان كورقة لتوسيع السيطرة على موارد النفط ومناطق النفوذ.

وعلى مستوى الإقليمي، سيؤدي هذا إلى مزيد من عدم الاستقرار وتحويل ليبيا إلى ساحة تصفية مصالح خارجية بذريعة «حلول إنسانية» مزعومة.

تحذير.

إن الحديث عن «تبادل نفط مقابل جنسية» أو أي مخطط يتعامل مع مصائر البشر كسلعة يُعد طموحًا انتهازيًا وجرميًا أخلاقيًا.

على المجتمع الدولي والفاعلين المدنيين والحقوقيين فضح هذه المخططات وقطع الطريق أمام أي محاولات لتهجير قسري أو تغييب حقوق أصحاب الأرض.

وعلى الإعلام الحر أن يستمر في التحقيق والمساءلة، وأن لا يسمح لتحالفات السلطة والمال بتمرير مشاريع تُعيد رسم خريطة السكان بالقوة.

المصادر الرئيسية:

  • تقاريرAgenzia Nova  29 مايو ــ 9 أغسطس 2025
  •  تقارير صحفية عربية نقلت عن نوفا
  • تحليلات محلية حول أرقام السكان والنازحين
  •  Agenzia Nova
  • ليبيا الأحرار
  • Libya Observer