في الوقت الذي تكافح فيه ملايين الأسر المصرية لتوفير احتياجاتها الأساسية من الغذاء، الدواء، والتعليم، تتواصل مظاهر الإنفاق الفخم على المظهر الرسمي للدولة، خاصة في ما يخص الأسطول الرئاسي من الطائرات الفاخرة، والمواكب الرئاسية، والقصور.
تأتي آخر الأخبار لتكشف عن قرب دخول طائرة رئاسية جديدة من طراز Boeing 747-8، بعد تشطيبها في مدينة هامبورغ الألمانية، إلى الخدمة خلال أيام، وسط تكتم حكومي تام على تفاصيل التكلفة.
ما هي الطائرة الجديدة؟
الطائرة المشار إليها – والتي أُطلق عليها في تقارير غير رسمية اسم "ملكة السماء" أو Queen of the Skies – هي من طراز: Boeing 747-8 Intercontinental BBJ (Boeing Business Jet)
تعتبر من أفخم طائرات الركاب المعدّلة للأغراض الرئاسية على مستوى العالم.
تُستخدم نسخ مشابهة منها من قِبل رؤساء دول كبرى، مثل الولايات المتحدة، وألمانيا.
التكلفة التقديرية:
تشير تقارير دولية إلى أن سعر الطائرة الجديدة قبل التعديل يناهز 418 مليون دولار.
وبعد التعديلات الخاصة بالرئاسة والتجهيزات الأمنية والفخامة، قد ترتفع التكلفة إلى أكثر من 500 مليون دولار (أي أكثر من 24 مليار جنيه مصري بسعر السوق الموازي في 2025).
هذه التكلفة تعادل ميزانية التعليم الأساسي في محافظة كاملة لمدة عام.
أو رواتب أكثر من 100 ألف معلم أو طبيب لمدة سنة.
الأسطول الرئاسي المصري – من التوسعة إلى الترف
تشير تقارير متعددة إلى أن مصر تمتلك بالفعل أسطولًا من الطائرات الرئاسية، يضم:
طائرات من طراز Airbus A340 وGulfstream G650.
طائرات مخصصة للزيارات الخارجية، وأخرى للبروتوكولات الداخلية.
وتشير مصادر غير رسمية إلى أن بعض الطائرات لا تُستخدم سوى مرات محدودة سنويًا، مع بقاء تكاليف تشغيلها وصيانتها مرتفعة.
نفقات التشغيل
الوقود، أطقم الصيانة، التدريب، التأمين، قطع الغيار.
تكاليف تشغيل الطائرة الرئاسية الواحدة في الرحلة الواحدة قد تصل إلى 200 ألف دولار أو أكثر.
التجهيزات الأمنية والتقنية قد تضيف ملايين الدولارات سنويًا على الميزانية العامة.
في المقابل: المواطن في أزمة مستمرة
بينما تتم عمليات شراء وتحديث الطائرات والمواكب الرئاسية، يعاني المواطن من:
- ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة تجاوزت 70% في عامين.
- انهيار قيمة الجنيه المصري، ما أدى إلى تآكل الأجور والمدخرات.
- نقص الأدوية الأساسية في المستشفيات الحكومية.
- تراجع التعليم الحكومي وتكدس الفصول الدراسية.
- ارتفاع نسب الفقر والبطالة بين الشباب.
ووفقًا لآخر البيانات، ارتفع الدين المحلي إلى 10.7 تريليون جنيه، بينما تستمر الدولة في الاقتراض من الخارج لسد عجز الموازنة.
بين الرمز والواقع: هل تستحق الطائرة هذه الأولوية؟
تروج بعض الخطابات الرسمية لفكرة أن:
مظهر الدولة الرئاسي ضروري لصورتها الدولية.
أو أن هذه النفقات ضرورية للأمن القومي والبروتوكول الدولي.
لكن الواقع يطرح أسئلة حادة:
- هل يمكن لبلد يواجه أزمة غذاء ودواء وغلاء، أن ينفق نصف مليار دولار على طائرة؟
- هل تكفي الزيارات الخارجية النادرة لتبرير هذا الترف في الطيران الرئاسي؟
- هل تم استطلاع رأي المواطنين حول أولوية هذه النفقات؟
مقارنات دولية: ماذا فعلت دول أخرى؟
بعض النماذج الملهمة:
- أوروغواي: الرئيس السابق خوسيه موخيكا كان يستخدم سيارته الخاصة ويتبرع بـ90% من راتبه.
- بولندا: باعت الحكومة طائرة رئاسية فاخرة بعد أن أثارت انتقادات شعبية.
- أيسلندا: زعماءها يتنقلون في رحلات تجارية لتقليل الإنفاق العام.
→ هذه الدول لم تفقد احترامها الدولي، بل حظيت بثقة مواطنيها واحترام العالم بسبب بساطتها وشفافيتها.
الحديث عن طائرة رئاسية جديدة في مصر، تتكلف مئات الملايين من الدولارات، لا يمكن فصله عن السياق الأوسع للأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها الشعب.
ففي الوقت الذي يعاني فيه ملايين المصريين من التضخم والفقر، تصبح هذه النفقات رسالة سياسية واقتصادية سلبية، توحي بأن الأولويات لا تميل لصالح المواطن.
الرمزية لا تبني أوطانًا. والشعوب لا تُقاس بما تملكه من طائرات، بل بما توفره لأبنائها من كرامة واحتياجات أساسية.