أكد وزير الصحة في حكومة الانقلاب الدكتور خالد عبدالغفار، في تصريحات صحفية بتاريخ 13 يوليو 2025، أن مصر تشهد يوميًا ولادة نحو 5378 طفلًا، أي بمعدل مولود كل ثانية، معتبرًا أن هذا المعدل "يشكل تحديًا ديموغرافيًا واقتصاديًا كبيرًا".

وأضاف الوزير أن "التعامل مع النمو السكاني يتطلب استثمارًا في التعليم والصحة وتمكين المرأة"، لكن هذا التصريح رغم وجاهته في الظاهر يكشف عن نظرة ضيقة تختزل الإنسان في كونه عبئًا، لا موردًا، في دولة تعاني من سوء التخطيط والتوزيع لا من الكثرة السكانية.

 

البرلمان يسأل الحكومة.. بلا خطة حقيقية

في تطور موازٍ، تقدمت النائبة مي أسامة رشدي، عضو مجلس النواب، بسؤال برلماني إلى رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، حول خطة الدولة لمواجهة الزيادة السكانية، مشيرة إلى أن القضية تظل "محل نقاش دائم دون حلول حقيقية تُنفذ على الأرض".

وأوضحت رشدي أن معدل الولادة المرتفع يجب أن يقابله توعية حقيقية وتمكين اقتصادي وتعليمي للأسر، لا مجرد أرقام تُستخدم كفزّاعة.

ولكن، هل يمكن لحكومة تُسقط دعم التعليم والصحة وتزيد الرسوم على الجامعات والمدارس أن تدّعي أنها تكافح الزيادة السكانية؟!

 

هل "العدد" هو المشكلة.. أم الإدارة؟

تجارب دول مثل الهند والصين وتركيا تؤكد أن الكثافة السكانية ليست كارثة بحد ذاتها، بل قد تكون أحد أهم عناصر القوة إذا ما توفرت الإرادة السياسية والاستثمار في التعليم والبحث العلمي، فالهند، التي يتجاوز عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، أصبحت اليوم خامس أقوى اقتصاد عالمي، بفضل استثمارها في العقول البشرية والتقنية.

أما في مصر، فإن الانقلاب العسكري عام 2013 قطع مسار الإصلاح، وجعل الخطاب الرسمي يشيطن الزيادة السكانية ليبرر الفشل في التنمية، بدلًا من مساءلة الفساد الحكومي، تُلقى اللوم على الفقراء والمواطنين البسطاء.

 

السيسي: "إنتو خايفين من طفل؟".. خطاب متناقض

في أكثر من مناسبة، استخدم عبدالفتاح السيسي خطابًا مزدوجًا، ففي إحدى تصريحاته الشهيرة قال: "يعني إنتو خايفين من طفل بييجي للحياة؟!"، ليعود بعدها ويحذر مرارًا من "الانفجار السكاني"، معتبرًا أن "زيادة السكان تقضي على كل جهود التنمية"، هذا التناقض يعكس غياب الرؤية المتكاملة، ويؤكد أن النظام لا يمتلك خطة تنموية حقيقية، بل فقط يستخدم الأزمات كسلاح سياسي لتبرير القمع والسياسات التقشفية وبيع أصول الدولة.

 

انهيار التعليم والصحة.. أين الاستثمار في البشر؟

يشير تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى أن معدل الإنفاق على التعليم في مصر لا يتجاوز 2.2% من الناتج المحلي، وهو من أدنى المعدلات في المنطقة، في حين تم رفع مصروفات الجامعات الأهلية الحكومية لتصل إلى 155 ألف جنيه سنويًا في بعض التخصصات مثل الطب، ما يعني حرمان الملايين من أبناء الطبقة الوسطى والفقيرة من التعليم الجيد.

أما في الصحة، فإن موازنة 2024/2025 خصصت فقط 147 مليار جنيه للقطاع الصحي، مقابل ديون تجاوزت 11 تريليون جنيه، كيف لحكومة تزعم محاربة النمو السكاني أن تهمل أهم وسائل التنمية البشرية؟

الخطاب السائد في إعلام النظام يروج لفكرة أن "الفقراء يلدون أكثر مما يجب"، وكأن الفقر خيار شخصي، هذا الخطاب يخفي حقيقة أن النظام نفسه يتجاهل سياسات التنمية المتكاملة، ولا يعمل على توزيع عادل للموارد، ولا يخلق فرص عمل حقيقية.

النمو السكاني لا يجب أن يُعاقب عليه المواطن، بل يجب أن تُسائل الدولة عن سبب عدم قدرتها على استثمار هذه الطاقة البشرية. فالإنسان ليس عبئًا، بل فرصة مهدرة في ظل حكم سلطوي لا يؤمن إلا بالقمع والجباية.

الزيادة السكانية في مصر ليست أزمة في حد ذاتها، بل تتحول إلى أزمة فقط حين تفتقر الدولة إلى سياسات عادلة واستراتيجيات شاملة للتنمية، في ظل نظام السيسي، أصبحت الزيادة السكانية شماعة تُعلّق عليها كل أوجه الفشل، من انهيار التعليم والصحة إلى البطالة والعجز المالي، لكن الحقيقة التي لا يريد النظام الاعتراف بها هي أن أزمة مصر ليست في عدد سكانها، بل في من يحكمها.